كشف اقتصاديون مصريون، أن السبب في تراجع الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي بمقدار ملياري دولار دفعة واحدة، يعد نتيجة طبيعية لتوسع الحكومة المصرية في طرح أذون الخزانة بالعملات الأجنبية خلال عام 2018، إضافة لتأخر صرف الدفعة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي والتي كان مقرر لها كانون الأول/ ديسمبر الماضي بقيمة ملياري دولار.
ورأى الخبراء أن الاحتياطي من النقد الأجنبي ليس احتياطيا خالصا للبنك المركزي المصري، وإنما معظمه عبارة عن قروض وودائع، وهو ما يجعل سعر صرف الجنيه أمام الدولار غير مستقر، مؤكدين أن ما جري لم يكن أول تراجع خلال الشهور الستة الماضية، وإنما يعد الأكبر خلال نفس الفترة.
من جانبه، أكد طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري أن سبب تراجع الاحتياطي إلى 42.550 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2018، بالمقارنة بـ 44.513 مليار دولار عن الشهر الذي سبقه، كان نتيجة سداد استحقاقات أذون الخزانة لمستثمرين في الخارج وفوائد مديونيات والتزامات خارجية للوزارات والهيئات الحكومية.
ويأتي هذا في الوقت الذي رفع فيه البنك الأهلي المصري سعر صرف الجنيه بالمقارنة بالدولار للمرة الأولي منذ عدة شهور، وهو ما اعتبره الخبراء نتيجة طبيعية لتراجع الاحتياطي الأجنبي.
مسكنات مؤقتة
من جانبه، قال الخبير المصرفي محمود عويس لـ "عربي21" إن تراجع الاحتياطي كان متوقعا نتيجة تأخر الدفعة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي والتي تقدر بملياري دولار، وهي نفس قيمة التراجع الذي أعلنه البنك المركزي، وحالة تأخر الدفعة لأكثر من ذلك فإن الاحتياطي مرشح للتراجع خاصة وأن الالتزامات المتعلقة بسداد الديون سواء متوسطة أو طويلة الأجل التي بدأت من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي تتجاوز 28 مليار دولار.
وأضاف عويس أن البنوك تشهد منذ عدة شهور تراجعا في مخزونها من العملات الأجنبية وخاصة الدولار، وهو ما يعني أن النقد الأجنبي الذي يتم تداوله بالبنوك والذي يبلغ 39 مليار دولار بدأ في التناقص، ما دفع عدد من البنوك الحكومية مثل بنك مصر، لاقتراض عملات أجنبية من بنوك خارجية.
وحول تأثير هذا التراجع على استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار، يوضح الخبير المصرفي أن هناك توقعات بأن يتحرك سعر الصرف ليتجاوز حاجز 18 جنيها وربما يكسر حاجز الـ 20 جنيها، وفقا لتقديرات مؤسسات ائتمانية عالمية مثل ستاندرد آند بورز، ومؤسسة "أرقام كابيتال"، ومؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، والتي أرجعت تقديراتها لارتفاع معدلات التضخم بشكل متزايد.
ووفقا لعويس، فإن ثبات الدولار منذ قرابة العام عند معدل الـ 18 جنيها لا يعكس بالضرورة قوة الجنيه، وإنما يعكس المسكنات التي يأخذها حتى لا يقفز عن هذا الرقم، ومع غياب الاستثمارات الأجنبية واقتراب موسم الالتزامات الخاصة بالديون فإن هذه المسكنات سوف تفشل في الحفاظ على هذا الثبات.
الاحتياطي الحقيقي
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي أيمن النجار لـ "عربي21" أن هناك عدة مكونات للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية وهذه المكونات ما هو خالص لمصر ومنها ما هو مرتبط بالقروض والودائع التي توسعت فيها الحكومة لبناء احتياطي أجنبي.
ويشير النجار أن مكونات الاحتياطي تشمل 2.716 مليار دولار المعادل لأرصدة الذهب وهو مبلغ خالص لمصر، و586 مليون دولار وحدات حقوق السحب الخاصة، وهى عملة للتبادل بين الدول الأعضاء فى صندوق النقد الدولي وهو أيضا خالص بمصر، و39.24 مليارات قيمة العملات الأجنبية، ومعظمها مرتبط بالقروض وأذون الخزانة التي تطرحها الحكومة.
ويعزز النجار رأيه بما أعلنته النشرة الاقتصادية الأخيرة للحكومة، بأن الاحتياطي الموجود لدي البنك المركزي، يكفي واردات مصر من السلع الأساسية لمدة 8 أشهر فقط، حيث تستورد مصر بما يعادل 5 مليارات دولار شهريا، بإضافة لخروج 10.8 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مقابل 21.49 مليار دولار كانت موجودة حتى آذار/ مارس من نفس العام.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن الحكومة والمسؤولين عن الاقتصاد المصري لا يريدون استيعاب أن التوسع في الاقتراض وطرح أذون الخزانة بفائدة عالية، وتراجع معدلات الاستثمار الأجنبي، يهددان أي احتياطي نقدي يتم بناؤه، لأنه في النهاية لا يكون احتياطيا حقيقيا أو بمعني أصح ملكا للخزانة المصرية على عكس ما كان عليه الوضع عام 2010 الذي تجاوز فيه الاحتياطي 40 مليار دولار، ما أدي لثبات سعر الصرف عند حدود 5 جنيهات.
ويضيف النجار أن الديون الخارجية لعام 2018 زادت بنسبة 17 بالمائة لتصل إلى 92.6 مليار دولار، بما يعادل 37 بالمائة من الناتج القومي، ومن المتوقع أن تزيد خلال 2019 بنفس النسب أو أكثر نتيجة التوسع في طرح أذون الخزانة بالعملات الأجنبية بأسعار فائدة تصل في بعض العطاءات لـ 23 بالمائة، وهو ما يمثل ضغطا جديدا على الخزانة المصرية.
بورصة دبي تتراجع تحت ضغط الأسهم العقارية
لماذا أربكت معدلات الفقر حسابات صندوق النقد الدولي بمصر؟
ما حقيقة الخلاف بين مصر والإمارات حول عاصمة السيسي؟