التيار الصدري... وعمامة النفوذ
لا بد لنا ونحن نقرأ تطورات مواقف واستراتيجيات التيار الصدري، أن نعود قليلاً إلى الوراء من أجل المزيد من الفهم.
بمقتضى المواقف العملية، كان التيار الصدري هو الأشد عداوة للوجود الأمريكي، بل هو رفع السلاح ضده، وكانت القوى الشيعية الأخرى تحاول ضبط سلوكه السياسي.
حرص التيار على المشاركة في السلطة، واستفاد منها، ولكنه كان قاسيا مع نوابه ووزرائه الذين يخرجون عن التوجيهات والسياسات المتبعة، لذلك تعرض العديد منهم إلى عقوبات وإقصاءات.
وحرص التيار على أن لا تظهر داخله زعامة سياسية تتمتع بشكل من الاستقلالية أو الظهور البارز، لذلك كان التيار هو الأكثر في تغيير الناطقين باسمه ومن يقودونه. وحافظ زعيم التيار على مكانته الرمزية بالتوجيه للآخرين عن بعد، وانتقاء من يلتقي بهم، كما حافظ على مقر إقامته في النجف الأشرف؛ ترسيخاً لمرجعيته السياسية ببعدها الديني.
اليوم، نجد أن المعادلة السياسية تختلف تماما، فسائرون تحظى برعاية أمريكية خاصة وكذلك عربية، وفقد العبادي فرصته لرئاسة الوزراء بسببها.
هل هذه الرعاية لتوافق سياسي جديد بين الجانبين؟! لا نستطيع الجزم، فقد يكون حب أمريكي من طرف واحد، ولكن هذا دفع إيران لبذل جهدها من أجل إرضاء الزعيم الشاب الذي تحول من كونه شيعياً متطرفا إلى وطني يتجاوز كل الشعارات الطائفية، بل ينكرها على الاخرين، واحتوى تحت عباءته تلاميذ مدرسة ماركس وعفلق بطيب نفس منهم.
كما أظهر زهده بالمناصب الوزارية متيحاً لرئيس الوزراء حرية الاختيار، ولكن شفرة المقصلة مسلطة عليه، وستسقط بعد سته أشهر أو سنة لا ريب، ولكن حرية الاختيار كانت نسبية مشروطة بالضوابط التي وضعها، وتحكم في كيفية تطبيقها، فأخر تشكيل الحكومة وأوصل الوضع إلى حافة الشلل، متحملا مخاطر عدة.
هذا الزهد في الوزارات لم يصاحبه زهد في المحافظات، وفيما لا زال إكمال الكابينة الوزارية يتأرجح، ضرب ضربته في بغداد، فأتى لها بمحافظ من طرفه ونائب محافظ لحليفه، لكي يبارك له زعماء الإصلاح خطوته!
هنا تتضح استراتيجية سائرون:
• قيادة تيار الإصلاح.
• زهد في الوزارة مع استعداد لإسقاطها.
• بناء رصيد شعبي قوي عبر الخطوتين أعلاه، ليأتي بكتلته الأكبر عام 2022، وعبر خطاب قوي يقول: دعمنا عادل عبد المهدي وأعطيناه الحرية في الاختيار، ولكنه لم ينجح في تحقيق وعوده؛ لأنه فضل مسايرة البناء الذي يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، وليس أمام
العراقيين إلا الانحياز لنا؛ نحن الذين سنأتي بالإصلاح!
• أما على نطاق المحافظات، فالأمر سيختلف، إذ سيكون حريصاً على أن يعوض غيابه عن الوزارة بحضور قوي في إدارة المحافظات، هو وأنصاره.
استراتيجية ذكية مبنية على الزهد بمغانم اليوم المحدودة للحصول على الجائزة الكبرى لاحقا، فهل سيترك للسيد مقتدى المضي في استراتيجيته؟ قطعاً ستتقاطع مع استراتيجيات الآخرين، والأيام كفيلة بإظهار كيف ستكون النتائج.