ما مستقبل تنظيم الدولة في 2019 بعد انحسار نفوذه؟

شهد العام المنصرم تراجعا ملحوظا في نشاط تنظيم الدولة، سواء في العراق وسوريا أو في مناطق أخرى من العالمين العربي والإسلامي، بفعل انحسار مساحة المناطق التي يسيطر عليها واضمحلال نفوذه، وتقلص أعداد مقاتليه، بعد فرار الآلاف من عناصره من جبهات القتال.

إلا أن للتنظيم قوة، ومناطق نفوذ، وجيوبا صغيرة يتحصن فيها ويدافع عنها باستماتة، خاصة تلك الموجودة في المناطق الحدودية بسوريا، والعراق.

وعلاوة على ذلك؛ فقد نفذ التنظيم أكثر من 40 هجوما في العراق، و30 في سوريا خلال العام المنصرم، بحسب بيانات صحيفة "النبأ" التابعة للتنظيم، الأمر الذي يطرح أسئلة حول مصيره، ومستقبل مشروعه خلال عامنا الجاري الذي يتنفس أيامه الأولى.

وما زال التنظيم يحتفظ بخلايا ومقاتلين حتى نهاية عام 2018 في عدد من المناطق والجيوب حول العالم العربي والإسلامي، فخلاياه نشطة في كل من العراق، وسوريا، مرورا بمصر، وتونس، وليبيا، واليمن، ومالي، والصومال، وصولا إلى أفغانستان ونيجيريا والفلبين.

ويرى خبراء أن ترويج القضاء على تنظيم الدولة ما هي إلا "خرافة" لا أساس لها على أرض الواقع، فقد شهد الربع الأخير من العام الماضي هجمات منسقة للتنظيم في عدد من المناطق كان أبرزها شمال سوريا، فيما لايزال يسيطر على جيوب حدودية قرب دير الزور شمال شرق سوريا، رغم تصاعد عمليات التحالف ضده.

بدوره، قال الخبير في الحركات الجهادية مروان شحادة، إن التنظيم يحاول أن يتمدد في مناطق رخوة في العالم، بعد أن مني بهزيمة كبيرة خصوصا في سوريا والعراق.

وقال شحادة في حديث لـ"عربي21" إن التنظيم بدأ إعادة انتشار في مناطق جديدة من العالم سواء في أوروبا أو أفريقيا أو مناطق أخرى، بعد أن غيّر استراتيجيته من نظام السيطرة المكانية إلى حالة "السرية" وتنفيذ الهجمات في إطار حرب العصابات.

وعن قوة التنظيم قال: "لا أعتبر أن التنظيم انتهى خاصة في العراق وسوريا، فالتقارير الاستخبارية تشير إلى انتشار بين 25 و30 ألف عنصر، وما زال قادرا على تنفيذ هجمات مستفيدا من الظروف الموضوعية هناك، والتي تساعدة في إعادة الانتشار".

ورأى أن "الدولة" يستفيد من الصراعات المنلدعة في المنطقة للتسلل واعادة ترتيب صفوفه من جديد.
ومتحدثا عن مصادر التمويل بعد خسارته لنفوذه، قال شحادة: "لا شك أن التنظيم خسر مشاريعه الاستثمارية بالاضافة إلى نفوذه ومشروعه السياسي، فقد كان لديه عوائد من تجارة النفط وفرض الرسوم والضرائب، إذ تشير النوقعات إلى أن داعش خسرت أكثر من 80 من مصادر التمويل".

ورغم ذلك، فقد لفت الخبير إلى أن التنظيم ما زال يحتفظ بمئات الملايين من الدولارات وكميات كبيرة من الذهب، إضافة إلى أنه قلص نفقاته بشكل كبير، إذ إنه لا يلتزم الآن بمصاريف ورواتب لمقاتليه وعوائلهم، وهو ما يمكنه من الاستمرار وتمويل العمليات بشكل أفضل.

الخبير في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية قال، إن تنظيم الدولة لا يزال يعمل كمنظمة فاعلة، ويسعى للحفاظ على هياكله التنظيمية وفاعليته الأيديولوجية ورسالته الدعائية ومصادره التمويلية.

وقال أبو هنية في مقال نشرته "عربي21" إن التنظيم عام 2017 خسر أماكن السيطرة الحضرية، لكنه في عام 2018 شهد إعادة هيكلة التنظيم وترتيب صفوفه بالاعتماد على حالة اللامركزية والاستناد إلى منطق حرب العصابات.

وأضاف أبو هنية: "بعيدا عن الإعلانات الدعائية السياسية المبشرة بأفول ونهاية تنظيم الدولة، فإن ثمة قناعة باتت راسخة لدى الخبراء والباحثين ومراكز الأبحاث والأجهزة الاستخبارية الدولية بأن الإعلانات عن هزيمة التنظيم بصورة نهائية لا تتمتع بالواقعية والمصداقية".

وتابع: "رغم طرد التنظيم من مناطق سيطرته المدنية الحضرية في العراق وسوريا، فقد كشفت الوقائع الميدانية عن حقائق مغايرة أشارت إلى سرعة تكيّف التنظيم مع التطورت الميدانية، وتمتعه بمرونة شديدة بالتحول من المركزية إلى حالة من اللامركزية، حيث إنه تمكن من إجراء إعادة هيكلة تنظيمية على الصعيد العسكري والأمني والإداري والشرعي".

اقرأ أيضا: فورين بوليسي: هذا هو الوجه الجديد للإرهاب في 2019

ومضى يقول: "برهن التنظيم على أن هزيمة مشروع التنظيم السياسي المرتبط بالسيطرة المكانية على المناطق الحضرية وفرض حكامته وسلطته كدولة خلافة لا يعني نهايته، بل يشير إلى العودة للعمل كمنظمة فاعلة تنتشر في مساحات غير مأهولة، وتجمعات سكنية معزولة في مناطق الفراغ الأمني؛ تتموضع في عمق الأرياف والفضاءات الصحراوية النائية وتشن هجمات مميتة".

وتوقع الخبير أن تتنامى هجمات التنظيم بحلول العام القادم، ذلك أن الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أدت إلى عودة الجهادية العالمية عموما، وتنظيم الدولة خصوصا، لا تزال ذاتها لم تتغير، بل تفاقمت الأزمات بطرائق عديدة أكثر سوءا، وبانتظار الأسوأ في محيط عربي محبط ومسدود الآفاق. ومع فقدان الأمل في التغيير الديمقراطي السلمي، يصبح العنف سيد الأحكام.

وعن وجود تنظيم الدولة في سوريا والعراق، قال إن نهاية التنظيم في هذين القطرين لا تكتب إلا بانتهاء الظروف الموضوعية التي أوجدته، والبيئة الجاذبة التي كان أساسها الفوضى الأمنية والعسكرية والغبن الاقتصادي والاجتماعي لمعظم السكان، والاستبداد والفساد بمختلف أشكاله، والاحتراب الداخلي والتوظيفات الطائفية والتهافت الإقليمي والدولي في المنطقة.

ورأى أن التنظيم يعمل على استغلال واستثمار حالة عدم الاستقرار والخلافات والانشقاقات والفراغات المستقبلية في العراق وسوريا، كما فعل سابقاً بين العامَين 2009 و2012.

ولفت الخبير إلى أن هجمات تنظيم الدولة الأخيرة كشفت عيوب استراتيجيات حرب الإرهاب؛ فمع بروز الخلافات المحلية وتنامي الصراعات الدولية والإقليمية وتضارب مصالح الفاعلين، يعيد التنظيم ترتيب صفوفه ويتموضع في ثنايا الاختلافات.