إحدى ركائز عملية غسيل الدماغ، التي تمارسها الحركة الصهيونية
ومؤسستها الحاكمة، هي اقتصار البث باللغة العبرية على وسائل الإعلام الإسرائيلية،
التي يلتصق بها الجمهور الإسرائيلي، دون أن تكون أمامه وسائل إعلام أخرى باللغة
ذاتها تروي الرواية النقيضة للرواية الصهيونية، بشكل إعلامي عصري، ما يجعل
الإسرائيلي أسيرا، ورهينة لخطاب تطغى عليه لهجة الترهيب، إلى درجة الرعب من كل من
هُم خارج البوتقة الإسرائيلية الصهيونية.
فاللغة
العبرية ليست منتشرة في العالم، وبالإمكان القول، هي اللغة الأولى لما يقل عن 45 %
من إجمالي أبناء الديانة اليهودية في العالم، بمعنى أولئك الذين يعيشون في
إسرائيل. وهذه النسبة ستكون أقل، إذا ما دخلنا إلى تفاصيل مسألة اللغة؛ لأن نسبة
جدية من الإسرائيليين، ما تزال لغتهم الأولى، هي لغة أوطانهم الأصلية، خاصة
المهاجرين في العقود الثلاثة الأخيرة، وبالذات من دول الاتحاد السوفييتي السابق،
وأثيوبيا ودول أخرى.
ولهذا
فإن إسرائيل ضمنت لهؤلاء وسائل إعلام الكترونية صهيونية، تتحدث بلغاتهم، مثل قناة
تلفزيونية خاصة بالروسية، وقنوات إذاعية بعدة لغات، خاصة الأثيوبية، كي تضمن بقاء
هؤلاء ملتصقين بالدعاية الصهيونية. فالمواطن أينما كان، يريد معرفة ما يجري في
محيطه، وبالقرب منه. لذا، وعلى الرغم من وجود قنوات تلفزة بهذه اللغات، إلا أنها
لا تتطرق للأمور الإسرائيلية الخاصة.
وسوق
الإعلام الإسرائيلي واسع، متنوع ومتشعب كثيرا، ولكن مهما تعددت اتجاهاته السياسية
والتجارية، إلا أنه يبقى مرهونا بغالبيته الساحقة جدا، للموقف الرسمي العام،
وللرواية الإسرائيلية.
كما أن كل وسائل الإعلام هذه، ولربما باستثناء صحيفة “هآرتس”، ترتكز
على نهج التحريض العنصري، وشيطنة الحق الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بمختلف
أشكالها.
وحينما
نقول “هآرتس”، فإن تميّزها يأتي في فسح المجال أمام الرواية الأخرى، ولديها كُتاب
تقدميون مناصرون للحق الفلسطيني. ولكن في المجمل، فهي تبقى وسيلة إعلام محسوبة على
ما يسمى "اليسار الصهيوني" في حين أن الكتاب الجريئين، أمثال غدعون ليفي
وعميرة هس وغيرهما، فقد تمت شيطنتهم منذ زمن، وسُحبت شرعية ومصداقية تقاريرهم
ومواقفهم، من خلال ماكنة تحريض شرسة عليهم، بدءا من المؤسسة الحاكمة وأذرعها.
في
ماض ليس قريبا، كان التلفزيون الأردني أول من أطلق نشرة أخبار تلفزيونية باللغة
العبرية، وتبعه في هذا، التلفزيون السوري، ولاحقا المصري. ولربما الترتيب يكون
مختلفا، إلا أن هذه النشرات غابت منذ سنوات طويلة، خاصة مع التطور الكبير الذي طرأ
على عالم الإعلام، وبشكل خاص القنوات الفضائية، وشبكة الانترنت.
وحاليا،
هناك أكثر من مبادرة فلسطينية، لبث أنباء باللغة العبرية، إلا أنها ليست ملموسة إطلاقا
في الشارع الإسرائيلي، ولربما أنها مصدر معلومات للعاملين في مجالي الإعلام
والسياسة، ولا أكثر من هذا.
واختراق
الشارع الإسرائيلي إعلاميا، يجب أن يكون هدفا سياسيا، في إطار المعركة المتشعبة ضد
السياسات الإسرائيلية، وفي محاولة لخلخلة الإجماع الصهيوني، الذي يشتد تراصه، وفي
مسارات التطرف؛ أمام استفحال لغة ولهجة الترهيب القائمة في الخطاب الإسرائيلي
الرسمي. وإسرائيل لا تكتفي بهذا، بل إن الأذرع الصهيونية الكبرى، تعمل بشكل دؤوب
على مر السنين، للسيطرة على وسائل الإعلام الكبرى في العالم، وبشكل خاص في دول
القرار. وهذا ليس فرضية أو تخمينا، بل مكشوف بشكل واضح، والعديد من الصهاينة
يتباهون به. ومن حين إلى آخر نقرأ تقارير صهيونية عن “النجاحات” في مهمة السيطرة
على الإعلام العالمي، بهدف السيطرة على الرأي العام العالمي.
ما
هو مطلوب اليوم، بالإمكان أن يكون بكلفة أقل؛ بمعنى لم تعد الحاجة لمحطات تلفزيونية،
مع تطور الإعلام على شبكة الانترنت. ولكن مواقع كهذه يجب أن تأخذ بالحسبان طابع
شكل الإعلام الإسرائيلي، في سعي لجذب القراء الإسرائيليين إليه، وأن يطلعوا على
الرواية النقيضة لرواية المؤسسة الصهيونية الحاكمة.
وهنا
يجدر التأكيد على أن القصد ليس بإعلام عبري يساير الموقف السائد في الشارع
الإسرائيلي، تحت ذريعة يتبناها البعض: "حنكة الاختراق"، بل بث خطاب واضح
من دون مهادنة.
عن صحيفة الغد الأردنية