العرب والقرار الأمريكي ضدّ حماس.. تناقض التصويت والحقيقة!

صوّتت الدول العربية مجتمعة ضدّ مشروع القرار الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي سعت الولايات المتحدة في نصّه إلى إدانة حركة حماس، ولكنها أرادت في الحقيقة إدانة كفاح الفلسطينيين، وترميم صورة "إسرائيل"، وقلب المشهد في المؤسسة الدولية على الفلسطينيين لصالح "إسرائيل"، وتوفير مخرج ما لبنيامين نتنياهو بعد فشل حكومته في احتواء "مسيرة العودة"، وظهوره عاجزا من آخر جولة مواجهات مع المقاومة في غزة.

بيد أن عددا من الدول العربية، التي صوّتت ضد مشروع المقترح، وبالتالي ساهمت في إسقاطه قانونيّا، تتفق في الخطاب، إلى حد كبير، وفي الممارسة، مع مضامين مشروع المقترح الأمريكي، وليس أدلّ على ذلك من كلمة مندوب المملكة العربية السعودية في جلسة التصويت ذاتها. فقد عبّر صراحة عن قدر من الاتفاق مع مشروع المقترح الأمريكي بقوله: "إننا نشجب أيضا إطلاق القذائف من قطاع غزّة صوب مناطق مدنية إسرائيلية". وإذا كانت هذه الجملة الاستدراكية على التصويت السعودي لا بدّ منها، بالنظر إلى احتياج الحكم السعودي الخاص لإدارة ترمب، فإنّه لا ينفي أنه يصدر من جهة أخرى عن سياسات فعلية ترفض مبدأ المقاومة الفلسطينية، وتكنّ بغضا خاصّا لحركة حماس.

 

مواربة عربية

صحيح.. يكشف التصويت العربي ضدّ مشروع القرار الأمريكي، عن جانب إجرائي مهم، وهو تعطيل مشروع القرار الأمريكي قانونيّا، وبالتالي منع ما يمكن أن يبنى عليه، وجانب آخر مهم ولكنه كامن، وهو أن الدول العربية، وفي ذروة انسلاخها نحو التطبيع، واصطفاف بعضها في خندق ترمب لفرض خطته على الفلسطينيين، ما تزال غير قادرة على التعبير الفجّ عن حقائق مواقفها بالتصويت لـ"إسرائيل"، بل هي عموما غير منفكّة عن جانب من المسؤوليات المترتبة عليها تجاه القضية الفلسطينية، وإذا كان هذا في قدر منه يعني أن القضية الفلسطينية أقوى وأكثر رسوخا من أن تجتثها رياح ترامب العاتية التي لاقت خواء عربيّا واهتراء، فإنّه في الوقت نفسه يعني أن المقاومة الفلسطينية هي بعض من ذلك الرسوخ الفلسطيني.

الدول العربية، وفي ذروة انسلاخها نحو التطبيع، واصطفاف بعضها في خندق ترمب لفرض خطته على الفلسطينيين، ما تزال غير قادرة على التعبير الفجّ عن حقائق مواقفها بالتصويت لـ"إسرائيل"

أرادت إدارة ترامب تسهيل المهمة على العرب، وعلى الأوروبيين، وبعض الدول الأخرى، فقصرت مشروع قرارها على إدانة السلوك المقاوم الفلسطيني. والمقاومة ليست محلّ اتفاق دوليّ، على خلاف القضايا الأخرى التي تطرح - عادة - في الأمم المتحدة، كحلّ الدولتين ودعوة "إسرائيل" للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، ولجعل المهمّة الأكثر سهولة، خصّت حماس بالذكر لا مطلق المقاومة. وحماس ما تزال على قوائم الإرهاب الأوروبية، وهي من الناحية الفعلية ملاحقة أو محاصرة أو مضيق عليها من عدد لا بأس به من الدول العربية، فالمهمة إذن ينبغي أن تكون أسهل.

 

صفعة.. ولكن

لا شكّ إذن، أن إبطال القرار الأمريكي كان صفعة لترامب، وهو أمر ينبغي أن يشكر، لكن الشكر في الأساس يتّجه للمقاومة الفعلية الحيّة القائمة في الواقع، التي جعلت من هذا الحدث كله الذي جرى ذا معنى، فالمقاومة الفعلية الموجودة هي التي حازت على هذه الشرعية الدولية الضمنية، لا المقاومة النظرية المجرّدة عن الواقع في الأذهان، وصمود هذه المقاومة هو الذي دفع نتنياهو - من خلال ترامب - للبحث عن مسارات أخرى غير الحسم الميداني الذي ما تزال "إسرائيل" عاجزة دونه، لا لأنها لا تملك القوّة الكافية، ولكن لأنّ تبعات المعركة ومآلاتها أكثر تعقيدا من أن تتحكم بها "إسرائيل" منفردة، وهذه المقاومة بوجودها، ثم بفاعليتها، ولأنها اليوم متجسدة في تلك الفصائل التي أراد ترامب إدانتها بالاسم، هي التي عجزت الدول العربية، المعادية لها في الحقيقة، عن التصويت ضدّها في الواقع.

مع أهمية التصويت العربي، فإنّه لا يلغي الأضرار الفادحة التي تلحق بكفاح الفلسطينيين نتيجة حصار بعض الدول العربية للمقاومة الفلسطينية، والعمل على قطع خطوط إمدادها وملاحقة كوادرها وتعطيل قدراتها

بالتأكيد لا تساوي هذه الملاحظة بين الدول العربية وبني الولايات المتحدة في النظرة إلى القضية الفلسطينية، ولكنها تشير إلى الانحدار في المسؤولية العربية تجاه القضية الفلسطينية، وإلى حقيقة الموقف العربي من المقاومة الفلسطينية على وجه الخصوص. هذا الموقف الحقيقي لا ينبغي إغفال الحديث عنه بغطاء التصويت في المؤسسة الدولية. وتكفي مداخلة المندوب السعودي سببا كافيّا للتنويه إليه، فمع أهمية التصويت العربي، فإنّه لا يلغي الأضرار الفادحة التي تلحق بكفاح الفلسطينيين نتيجة حصار بعض الدول العربية للمقاومة الفلسطينية، والعمل على قطع خطوط إمدادها وملاحقة كوادرها وتعطيل قدراتها على الاتصال والانفتاح على العالم، والتعاون مع الأمني مع الولايات المتحدة أو مع الاحتلال الإسرائيلي ضدّها، بل واستخدامها من بعض الدول العربية لإدانة دول أخرى في التقرب من أمريكا، كما حصل عدّة مرّات من الدول المحاصرة لقطر باتهامها بدعم الإرهاب واستخدام حماس مثالا على ذلك، وهو الأمر الذي تسبب بلا شكّ بأضرار فادحة لحماس.

يظلّ السؤال الأهم الآن: هل يمكن للدول العربية والإسلامية التي تملك معها حماس علاقات جيدة بالفعل.. أن تتجاوز الخطوط الحمراء لتقديم دعم أكبر للمقاومة الفلسطينية؟! وهل يمكن لهذه الدول أن تشكل محورا متظافرا لهذا الهدف؟! وهل يمكن لحماس أن تطوّر مقترحات وأفكارا ومشاريع عملية تقنع بها تلك الدول؟!