تمثل منطقة الخليج العربي اليوم بؤرة أساسية من بؤر التوتر الإقليمي والدولي بسبب تقاطع أزمات كثيرة جعلت منها منطقة جاذبة للصراعات التي تتجاوز في تأثيرها حدود المنطقة نفسها. فالحرب في اليمن وأزمة حصار قطر وتأزم المشهد السعودي تشكل كلها عناصر أساسية وعناوين بارزة من عناوين الأزمة التي تتفاقم كل يوم.
إن الخيار العسكري والسياسي الذي اختارته دول الخليج في التعامل مع الملف اليمني أو الملف المصري أثر بشكل عميق على المشهد الخليجي
فإذا كان الخطر الإيراني خطرا فعليا فإن المسؤولية الأكبر في تفاقمه إنما تقع على عاتق الدول العربية نفسها لا على إيران فحسب فقد استثمرت إيران ومليشياتها المسلحة في الخلافات العربية العربية بشكل جعل منها الرابح الأول من هذه الصراعات البينية مثلما هو الحال في الملف اليمني أو العراقي أو السوري أو حتى في حصار قطر.
إقرأ أيضا: مسعى خرافي أمريكي نحو تشكيل "ناتو" عربي
الاحتمالات الممكنة
أول الملاحظات المتعلقة بالاحتمالات الممكنة إنما تتمثل في أنه لا يمكن للمشهد الخليجي أن يكون بالشكل الذي كان عليه خلال العقود السابقة وأنه لا بد من الإقرار بأن المنطقة الخليجية تقف أمام مرحلة جديدة من تاريخها. لقد استنفذت دول المجموعة العربية في الخليج كل الخيارات والآليات التي بحوزتها كما فرطت في القدرة الكبيرة التي كانت لها على التحكم في مسارات الأمة سواء بفضل ثرواتها الهائلة أو بفضل رمزيتها العربية والدينية وما كانت تحظى به من احترام لدى الجماهير والحكومات العربية.
إن أكبر الأخطاء التي ارتكبتها دول الخليج إنما تتمثل في فشلها الذريع في إدارة ملف الثورات العربية لأنها حسمت موقفها باكرا بتصفية الثورات والقفز عليها ومحاربتها في مصر وتونس وليبيا بشكل خاص. ردّ الفعل هذا هو الذي تسبب في نظرنا في تمدد حالة الفوضى المسلحة وفاقم من أزمة المشهد الخليجي والعربي عامة بالشكل الذي يظهر أمامنا اليوم. لقد حسبت الدول الخليجية أن الربيع العربي وثوراته يمكن أن ينحسر بسرعة كما يمكن كذلك حصره في مجاله الجغرافي لكنها أغفلت قدرة العوامل الداخلية للربيع على التمدد والتفاعل بشكل يجعل منها قادرة على بلوغ البيت الخليجي نفسه ولو بشكل غير مباشر.
هذا الوضع الجديد القائم هو الذي ضاعف من أزمة المكون الخليجي الذي تعرب تحركاته الأخيرة عن سعيه الحثيث إلى التشبث بالقوى الدولية الخارجية من أجل إنقاذ نفسه من التداعيات المحتملة لأزمته السياسية. وليس مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل أغلب الدول الخليجية إلا أحد الخيارات التي يطرح النظام السياسي الإقليمي من أجل الحفاظ على بقائه. كما أن العقود الخيالية التي يبرمها مع الدول الكبرى وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا وجها آخر لهذا السعي الحثيث في سبيل شراء الدعم الخارجي أمام استحقاقات ذات طبيعة داخلية بالدرجة الأولى.
لم يعمل النظام السياسي الخليجي على التصالح مع بيئته الداخلية ولا على الاتعاظ من التجارب العربية الأخرى التي حولت الأوطان إلى خراب كما هو الحال في سوريا مثلا بل كابر وأمعن في المكابرة معتقدا أن النظام الدولي قادر على حمايته إلى الأبد.
لكن إذا كان المكون الخليجي عاجزا على إنقاذ نفسه بنفسه ورافضا لإصلاح بنيته الداخلية بنفسه فإنه يفتح الباب أمام القوى الإقليمية والدولية لكي تقرر مصيره ومصير شعوبه بنفسها. إن احتماء النظام السعودي بالمظلة الأمريكية اليوم أمام تصاعد الغضب الشعبي بسبب الحرب في اليمن وقمع الثورات العربية أو اغتيال الكاتب جمال خاشقجي ليس إلا إعلانا عن عجزه عن تجاوز الأزمة الحالية بنفسه وهو ما يترك المنطقة مفتوحة على مزيد من الأزمات. هذه الأزمات هي التي سترسم مستقبل المنطقة وستحدد نتيجة الصراع بين توق الشعوب إلى الحرية وإلى التغيير وبين نظام يرفض هذه المطالب ويتشبث بخيار القمع.
ما الذي وقع بين "العدالة والبناء" وجماعة الإخوان الليبية؟
في مبررات الانفتاح العُماني على إسرائيل
المقاتلون الأجانب وتدوير الفوضى