ألا يبدو مشوِّقاً لجمهور الإسرائيليين أن تقوم مجموعة خاصة من قوات النخبة في جيشهم بتنفيذ عملية محترفة لاختطاف قياديين من قلب قطاع غزة، دون أن تترك بصمات من ورائها أو أن يشعر بها أحد من الفلسطينيين؟ كم ستكون مثيرة عملية كهذه تليق بحنين الإسرائيليين إلى زمن الإنجازات الميدانية التي احتفت بها دعايتهم في زمن مضى عن ضربات خاطفة ضد "الأعداء" في أنحاء العالم.
ها هو الوزير أفيغدور ليبرمان قرّر أخيراً أن يفعلها، وسيبدو هذا ملائماً لإثبات جدارته بمنصب إدارة الحرب بعد سيل الانتقادات اللاذعة التي واجهها من زملائه في الحكومة ومن جمهور الإسرائيليين في مواقع التواصل الاجتماعي.
انطلقت العملية التي تم التخطيط لها بعناية، تحت جنح الظلام مساء الأحد 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، رغم أنّ الوسطاء الدوليين كانوا قد توصّلوا إلى تهدئة ميدانية بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية وبدأت ترتيبات تخفيف الحصار عن قطاع غزة تدخل حيِّز التنفيذ بالفعل. ومع تفاؤل الأطراف بالتهدئة جاءت العملية المباغتة، التي سعت على ما يبدو إلى اختطاف قياديين فلسطينيين بهدوء، وإنكار أنهم بحوزة الجانب الإسرائيلي الذي سيعمل على طمس أدلّة العملية باحتراف. استخدمت القوّة المعتدية أسلوب التمويه باستعمال حافلة مدنية تحرّكت في الظلام شرق خان يونس، وتنكّر بعض عناصرها بملابس نساء تخفي تحتها أسلحة هجومية فتّاكة تستخدمها قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي.
لكن ما العمل وقد انحرفت حبكة فيلم الحركة والإثارة فجأة عن مسار الإنجاز الأسطوري الذي رسمته له قيادة الجيش، وصارت المحاولة تجربة إخفاق إضافية مريعة للقيادة الإسرائيلية الطائشة التي لجأت إلى هذه الخديعة؛ رغم استعدادات التهدئة التي ترعاها وساطات دولية. ما جرى ببساطة أنّ الفلسطينيين اكتشفوا هذه المحاولة الخرقاء على عين المكان، فاضطر الجيش الإسرائيلي إلى التدخل الأهوَج سريعاً لاحتواء الموقف باستعمال كثافة نيران هائلة من الأجواء، لتخليص المجموعة المباغِتة من فخ مُحكَم أوقعت ذاتها فيه.
جاءت حصيلة الضحايا الفلسطينيين بالقصف الإسرائيلي على الموقع لتقود إلى جولة تصعيد جديدة محتومة، كادت أن تخرج عن السيطرة على مدار يومين. وإن انفلت الموقف حقاً فإنه سيهدد محاولات الحكومة الإسرائيلية لتدفئة علاقاتها مع دول عربية تنصاع لتعليمات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بضرورة التطبيع مع الجانب الإسرائيلي في هذه المرحلة.
خلال يومين من التصعيد الحادّ أظهر الفلسطينيون احتمالاً مذهلاً وإدارة منضبطة للموقف عبر غرفة عمليات مشتركة كانت تبعث برسائل تحذيرية للقيادة الإسرائيلية؛ من أنّ استمرار جيشها في قصف أهداف مدنية فلسطينية سيؤدي إلى اتساع الردّ الفلسطيني. أصدرت المقاومة الفلسطينية بلاغات للإسرائيليين بالتزام الملاجئ أو الابتعاد عن مناطق معيّنة. وجاءت رسالة التحذير الأوضح يوم الاثنين 12 نوفمبر/ تشرين الثاني عندما استهدفت المقاومة الفلسطينية حافلة تقلّ جنوداً في جيش الاحتلال بقذيفة موجّهة، لكن توقيت الضربة أتى بشكل محسوب بعد أن أفرغت الحافلة حمولتها من الجنود، تلافياً لإيقاع حصيلة ثقيلة من القتلى في أوساطهم بما يعني توسيع نطاق المواجهة.
في نهاية الفيلم المشوِّق خرج الجيش الإسرائيلي بمشاهد إخفاق مريعة دفعته إلى قصف أبرز محطة تلفزيون فلسطينية في قطاع غزة، أسوة بسلوك مشجِّعي الفرق الخاسرة عندما يرشقون الشاشات بأحذيتهم ويحطِّمونها إن اهتزّت شباك فرقهم بضربات مسدّدة بعناية.
عاد الهدوء إلى الميدان بتثبيت وقف إطلاق النار، وخرج الفلسطينيون رغم الضحايا والجراح والأنقاض في مسيرات مشبّعة بروح الانتصار، بينما اكتشف جمهور الإسرائيليين الغاضبين معنى العيش تحت قيادة طائشة تستسهل قتل المدنيين الفلسطينيين وتحطيم مرافقهم دون أن تُفلح في كسر إرادتهم.
* ترجمة خاصة لـ"عربي21" عن "ميدل إيست مونيتور"
لماذا تلقي إسرائيل طوق النجاة لقتلة خاشقجي
السعودية.. وضرورة التعامل مع الواقع
قراءة دبلوماسية ضرورية لخطاب أردوغان