فتحت دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى فتح حوار مفتوح للجزائر، الباب أمام كثير من التكهنات حول مصير الدعوة، وسياقها، ومراميها، وخلفياتها، خاصة بعد تزامنها مع الإعداد للقاء مباشر بين أطراف النزاع حول "الصحراء" برعاية أممية في الشهر المقبل.
دعوة العاهل المغربي للحوار المفتوح مع الجزائر، قوبلت في المغرب بدعم قادة كبار من جيش تحرير المغرب العربي، والأحزاب السياسية، فيما تحاشت الجزائر الرسمية الرد، لتقوم التسريبات بتصريف مواقف الجزائر التقليدية من الخلاف مع المغرب.
استباق لنتائج التحولات
واستعرض الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، والكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، خالد يايموت، الأهم عناصر التحولات الجارية في المنطقة، قبل أن يشرح أفق المبادرة المغربية وانعكاساتها على المنطقة.
وأوضح خالد يايموت في تصريح لـ"عربي21"، إن "السياق الدولي للدعوة المغربية للحوار تتسم بما يلي: أولا؛ هناك تحولات دولية ضاغطة على شمال إفريقيا في علاقتها برؤية جديدة لأمن البحر الأبيض المتوسط، ورغبة بعض القوى الكبرى في إنهاء النزاعات التقليدية كما هو الشأن بالنسبة لقضية الصحراء المغربية".
اقرأ أيضا: صمت جزائري وترحيب أممي ومغاربي وعربي بدعوة المغرب للحوار
وقدم الباحث مؤشرين اثنين على هذا المعطى، و"في هذا السياق يفهم الرأي الأمريكي المتعلق بقوات حفظ السلام بالصحراء (المينورسو). كما يمكن يندرج المنظور الصيني لدول شمال أفريقيا فيما يخص الطريق الحرير، حيث تقترح بيكين إنجاز طريق رابطة شمالا بين مصر والمغرب مرورا بليبيا وتونس وجنوبا تريد الصين ربط المغرب بالسنغال بريا".
وأضاف: "ثانيا؛ على المستوى الإقليمي يأتي الحوار في الوقت الذي تشهد فيه القارة الأفريقية صعودا لقوى إقليمية مهمة مثل كينيا، رواندا، إثيوبيا، أنغولا، ونيجيريا؛ مما يهدد المكانة الاستراتيجية الدولية لكل من المغرب والجزائر، خصوصا أن الدولتين واقعتان في أتون استنزاف متبادل منذ حوالي 40 سنة".
واعتبر الباحث أن المستوى الثالث يتجلى في المستوى الوطني لكلا البلدين، حيث "يعيش كل من المغرب والجزائر في السنوات القليلة الماضية تحولات مهمة في النخبة القيادية العسكرية؛ وإن اختلف سياق وطريقة حدوث هذا التحول".
وأفاد: "إذا أخدنا بعين الاعتبار كون الجيش الجزائري يلعب دور المعرقل لأي حل سياسي لقضية الصحراء، فإن الجيش المغربي لم يكن بمنأى عن تفاعلات هذه القضية في أي مرحلة تاريخية".
وشدد: "وعليه فإن إحالة أو إقالة، أو تجميد دور كثير من القيادات العسكرية في الدولتين قد يساعد على لعب السياسيين لدور أكبر في إيجاد حل عادل لنزاع تعتبره الدول الكبرى نزاعا معمرا ومستنزفا للأمم المتحدة".
حوار رهن انتقال السلطة في الجزائر
من جهته قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، محمد زهراوي: "يمكن القول بأن هناك ثلاثة مؤشرات بالنظر إلى السياق الذي جاءت فيه دعوة الملك للحوار المفتوح مع الجزائر، فيها التحولات الجيوسياسية بالشرق الأوسط والمغرب الكبير، وكذا طبيعة التحركات الجارية في المغرب والجزائر، وأيضا طبيعة التحديات التي فرضها برودة الموقف الأمريكي من الرباط".
وسجل محمد زهراوي في تصريح لـ"عربي21"، أنه يمكن تركيز رسائل الخطاب وخلفياته في الاعتبارات التالية؛ أولا هو رسالة موجهة إلى إدارة البيت الأبيض الجديدة، مفادها أن الرباط قادرة على إعادة ضبط خريطة التحالفات وفق مصالحها هي، ولو كان الأمر القيام بخطوة في اتجاه الجزائر التي تعيش على خلاف تاريخي معها.
وزاد: "ثانيا؛ المستوى الثاني في دعوة الملك، التحسيس بخطورة تنزيل المخططات تقسيم الدول التي تجري في الشرق الأوسط وليبيا، وإحياء نظرية الفوضى الخلاقة، بما يهدد وحدة الدولة القائمة واستقرارها ويفتحها على المجهول".
واعتبر أن ثالث الرسائل، كان التقاطا لم يعتمل في الجزائر من خلاف بين أقطاب الحكم، القائم على تحالف بين مكوني الجيش والنخب السياسية.
وأوضح: "وهنا ينبغي التمييز بين مكونين، العسكر في الجزائر، وهو يملك عقيدة سياسية جوهرها العداء للمغرب استراتيجيا، بينما تملك النخب السياسية مواقف غير معادية للمغرب بل إن أحد الأمناء العامين السابقين لجبهة التحرير الجزائرية، اعتبر أن قضية الصحراء لا تعني الجزائريين، فتم إبعاده وإنهاء المستقبل السياسي".
اقرأ أيضا: "العدالة" المغربي يزور الجزائر لتطبيع العلاقات بين البلدين
وشدد على أن هذا المعطى الأخير يصعب المهمة، فـ"لا تحول في العلاقة بين المغرب والجزائر دون انتقال السلطة في البلاد من العسكريين إلى المدنيين".
وزاد: "الدعوة المغربية جاءت لإحراج حكام الجزائر وإبعاد الملف المغربي وتوتر العلاقة بين البلدين من أجندة العسكر في الانتقال العسير للسلطة بالجزائر، لاسيما أن هناك تكنهات تشير إلى إمكانية تهور الجيش الجزائري في ممارسات عدائية غايتها تصدير الأزمة الداخلية، وجر المنطقة إلى المجهول".
واعتبر أن "إشارة الملك إلى عدم الحاجة إلى طرف ثالث، معناه أنه كانت هناك وساطة لكنها باءت بالفشل، وكأن الملك يوجه الرسالة الأخيرة بشكل مباشر وصريح، وهي رسالة موجهة لبعض العقلاء والنخب الجزائرية المعتدلة التي لا تشاطر العسكر في مقاربته وسياساته العدائية تجاه المملكة".
أرباح الرباط
وشدد خالد يايموت على أن أرباح المغرب، "تتجلى في كون الرباط تفصل بين الحوار الأممي بين الأطراف الأربعة المغرب البوليساريو مورتانيا والجزائر، وبين دعوته للحوار الثنائي وفق آلية بين الطرفين".
وأكد أن "هذا بدوره يعني أن المغرب مستعد لطرح جميع القضايا التي تطرحها الجزائر وربما منها ترسيم الحدود بشكل تام بين الدولتين، بالإضافة لمسائل اقتصادية وأمنية أخرى".
وخلص إلى القول: "بالنسبة للمغرب يعتبر دعوته رسالة واضحة للدول الكبرى تقول إن المملكة مستعدة للحوار الأممي والمباشر والمغرب مستعد حاليا لإيجاد حلول لأزمة القائمة بين البلدين. وبالتالي فإنه لا يتحمل نتائج الإبقاء على الوضع الراهن، الذي يعاكس الطموحات الاقتصادية للقوى الكبرى خاصة فرنسا، وأمريكا، والصين وألمانيا وبريطانيا".
وكان العاهل المغربي قد دعا الثلاثاء الماضي، إلى فتح حوار "صادق" و"صريح" مع الجزائر، في خطاب ألقاه، بمناسبة ذكرى "المسيرة الخضراء"، التي تؤرخ لاسترجاع إقليم الصحراء من الاستعمار الإسباني.
"العدالة" المغربي يزور الجزائر لتطبيع العلاقات بين البلدين
وزير جزائري سابق: القيادة لن ترد على دعوة ملك المغرب للحوار
صمت جزائري وترحيب أممي ومغاربي وعربي بدعوة المغرب للحوار