نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا لكل من الصحافية الكندية تانيا غودسوزيان والمحلل التركي يوسف إيريم، يقولان فيه إن أهم ما كشف عنه مقتل خاشقجي هو قدرة تركيا الهائلة على استخدام القوة الناعمة ضد منافس قوي.
ويبدأ الكاتبان مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، بالإشارة إلى مثل تركي قديم، يقول إن الصديق يقول الحقيقة المرة، لافتين إلى أنه بدأ عقب اختفاء الصحافي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، تناقل مستنقع من الحقائق في الإعلام الأمريكي، في الوقت الذي قامت فيه مصادر تركية مجهولة بإعطاء تفاصيل عملية القتل البشعة على شكل نقاط للصحافيين المتعطشين لمعرفة المزيد حول جريمة العقد.
ويشير الكاتبان إلى أن "عدم وجود حقائق أكيدة في الأيام الأولى مهّد الطريق أمام نظريات تخمينية بعضها كان غريبا، وأخرى كانت مليئة بالإيحاءات التآمرية، فيما كانت هناك أصداء لفيلم (هيتشكوك رير ويندو/ النافذة الخلفية)، وفيلم الجريمة سكارفيس، وكانت الحقائق المتوفرة فقط هي أن خاشقجي دخل القنصلية السعودية ولم يخرج منها".
ويقول الكاتبان إن "كل شيء آخر كان تخمينا وإشاعات وادعاءات ومن مصادر مجهولة، ولم يصدق سيرك الإعلام الحقيقة غير الملائمة بأنه كان ممنوعا على المسؤولين الأتراك الخوض في الموضوع ما دامت التحقيقات جارية".
ويلفت الكاتبان إلى أن التقارير التي فصلت الجريمة البشعة كانت خطوة بخطوة تنسب إلى مصادر مجهولة، ادعت أنها سمعت شريطا مسجلا، لا تزال الحكومة التركية لم تؤكد بعد وجوده بعد أسابيع من الحادثة.
ويقول الكاتبان إن "الغريب أنه لم تأت أي من (الكشوفات) من الإعلام التركي، حيث أخذ الصحافيون المحليون خطوة للخلف وتركوا للإعلام الأمريكي أن يقود تغطية القصة، وكان أول سبق إعلامي محلي قامت به صحيفة (صباح)، وهي صحيفة تركية يومية، قامت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر بنشر صور وهويات فريق الإعدام السعودي الذي دخل القنصلية، وحتى ذلك الوقت، كان الإعلام التركي صامتا، وجاءت التقارير المثيرة للصحيفة التركية (يني سافاك) بعد ذلك بأيام في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ومع ذلك الوقت كانت الصحف الأمريكية قد بدأت الحديث عن تقطيع الجثمان".
الاستراتيجية الإعلامية
ويفيد الكاتبان بأن "أحد الأسباب المحتملة لتغذية "المعلومات" بأسلوب التنقيط للصحافة الأمريكية هو الضغط على الحكومة الأمريكية من خلال تحويل الرأي العام ضد إعجاب دونالد ترامب بولي العهد السعودي محمد بن سلمان (أم بي أس)، والمصادر المجهولة لهذه المعلومات تجنبت المخاطرة في مواجهة اتهام من السعودية لتركيا بأنها غذت حملة إعلامية ضد (أم بي أس)، فحافظت الحكومة التركية رسميا على الصمت، لكن من يستطيع السيطرة على عدد من المسؤولين المارقين الذين يسربون بعض الحكايات للإعلام؟".
ويجد الكاتبان أن "تنافسا إقليميا بين تركيا وقوى الخليج، السعودية والإمارات، تزايد بشكل مطرد منذ قيام الثورات العربية عام 2011، وما أتبع ذلك من ثورات مضادة مدعومة خليجيا، يقف خلف هذه الدراما، ويمكن القول بأن هذه الاستراتيجية كانت ناجعة، فأكبر كشف تبين من قضية خاشقجي هو إمكانية استخدام تركيا القوة الناعمة ببراعة ضد منافس كبير".
وينقل الموقع عن السفير الأمريكي السابق لأذربيجان، ماثيو برايزا، قوله: "بتسريبها الفتات من معلومات مفصلة عن طريق مسؤولين مجهولين، كانت الحكومة التركية.. تطور ضغطا على الحكومة السعودية، وفي الوقت ذاته فإنها تحسن (أو تتجنب الإضرار بـ) سمعة تركيا في واشنطن".
ويؤكد الكاتبان أنه "إذا كانت هذه الاستراتيجية الإعلامية التي نفذت بحرص قد ساعدت أنقرة ضد الرياض، يقول البعض إنها كانت أداة مناسبة أيضا للضغط على حليف الناتو القديم واشنطن في الأيام التي سبقت الانتخابات النصفية".
ويورد الموقع نقلا عن مصدر مطلع، قوله بأنه سمع الأتراك الذين يتصل بهم يقولون إن خاشقجي عذب بوحشية، وتم قطع أصابعه ثم تقطيعه بمنشار عظام بينما كان حيا، ولم يكن المصدر مقتنعا بذلك، لكن الصحف نشرت التقرير على أي حال، "فإذا نظر إلى ترامب على أنه يسمح لـ(أم بي أس) بأن ينجو بعد ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة، فإن الأمل كان أن ينعكس ذلك بشكل سيئ على المرشحين الجمهوريين في الانتخابات النصفية".
ويرى الكاتبان أن هذه الاستراتيجية كانت طريقة جديدة للتعامل مع علاقات تركيا المتدهورة مع أمريكا، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو 2016، ورد الفعل الغربي السلبي لاعتقال الآلاف على مدى العامين الماضيين، مشيرين إلى أن ما زاد من هذا التوتر خلال الصيف، اعتقال ومحاكمة القسيس الأمريكي أندرو برانسون، حيث فرض ترامب عقوبات على تركيا في آب/ أغسطس بسبب ذلك، وتم إطلاق سراح برانسون بعد مقتل خاشقجي، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، وتم رفع العقوبات في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر.
تنامي قوة تركيا الناعمة
ويقول الكاتبان إنه "يمكن تتبع أوضح تجسيد لعودة القوة الناعمة لتركيا في الشرق الأوسط إلى عام 2007، عندما بدأت المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية تبث في العالم العربي، ثم جاء مسلسل حريم السلطان عام 2011".
ويشير الكاتبان إلى أنه "بالنسبة للعامة فإن هذا كان مؤشرا واضحا على عودة التأثير الثقافي والاجتماعي لتركيا في الدول العربية التي كانت تحكمها سابقا، وانتشرت فجأة موضة المعاطف العثمانية المطرزة، وظهرت المجوهرات ذات الطابع العثماني في الشرق الأوسط وحتى في أوروبا، كما اخترقت المسلسلات التركية (نتفليكس) بنجاح، فهناك مثلا مسلسل (قيامة أرطغرل)، الذي حقق نجاحا عالميا، حتى أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أحد المعجبين به، وتروج شبكة (نتفليكس) للمسلسل باللغة الإنجليزية بصفته بديلا للمسلسل الدرامي الأمريكي الخيالي (لعبة العروش)".
ويرجح الكاتبان أن تقوم شبكة "نتفليكس" ببث أول مسلسل أصلي تنتجه في تركيا في وقت لاحق من هذا العام "ذي بروتكتار"، وهو مسلسل يتضمن عددا من النجوم المحليين، وسيظهر شابا لديه قوة خارقة يكتسبها من تعويذة، ويستخدمها لمحاربة القوى المظلمة التي تحاول تدمير اسطنبول.
ويبين الكاتبان أنه "بذلك تكون تركيا قد انضمت إلى نخبة من الدول التي تستطيع أن تصدر تاريخها وثقافتها من خلال صناعة الأفلام، ويمكن للسياسيين الأتراك الاستفادة من هذا النفوذ باستخدامه أداة للدبلوماسية".
النموذج التركي
ويذكر الكاتبان أن الخبراء العرب كانوا خلال الربيع العربي يشيرون إلى "النموذج التركي" بصفته نموذجا مثاليا لحكوماتهم بعد الثورة، وأصبح هناك استخدام لعبارات مثل "أوتومانيا" أو "الهوس بالعثمانيين" و"العثمانية الجديدة"، لافتين إلى أنه في عام 2015، قام تلفزيون "تي آر تي" بإطلاق قناة باللغة الإنجليزية، توفر للجمهور العالمي مصدرا بديلا للمعلومات من تركيا، ومن خلال إنتاجها الجرافيكي الجذاب، والفيديوهات القصيرة التي يمكن مشاهدتها، فإن تركيا وصلت إلى ميدان الإعلام العالمي.
ويلفت الكاتبان إلى أنه حتى في الموضوع الخلافي المتعلق بأحداث 1915 مع الأرمن، فإن تركيا قامت بطرح جانبها من القصة، من خلال فيلم ملحمي بعنوان The Ottoman Lieutenant الذي استخدم نجوما كبارا من هوليود، بمن فيهم بن كنغزلي وجوش هارتنت.
وبحسب الموقع، فإن الفيلم أبرز ملازما عثمانيا شابا وسيما ونبيلا ومتعاطفا مع معاناة القروين الواقعين بين الثوار الأرمن المدعومين من روسيا والجنود "العثمانيين" المارقين، وكانت رسالة الفيلم أكثر رقة وأكثر تصالحية من السنوات الماضية.
ويعلق الكاتبان قائلين: "يبدو أن السلطات العليا في تركيا تفهم عيوب طرح أنقرة لوجهة نظرها بأسلوب القرن العشرين، وأصبحت تعتمد على أسلوب أكثر حداثة، وأكثر اعتمادا على هوليود وعلى الإعلام الاجتماعي في طرحها".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "في الماضي، ربما كان السياسيون ينظرون للإعلام الدولي بعين من الشك، لكن الآن تثبت أنقرة فهما جيدا لـ(تأثير القوة الذكية) في رواية جانبها من القصة والتأثير على الرأي الدولي والمحلي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
نيويورك تايمز: السعودية تواصل أكاذيبها
أتلانتك: الكونغرس يدفع نحو مواجهة مع السعودية
نيويورك تايمز: العالم ينتظر أجوبة عن جمال خاشقجي