بات واضحا وبارزا
التوظيف السياسي للمؤسسات الدينية، والرموز الدينية كذلك، في قضية مقتل الصحفي الشهيد الأستاذ جمال خاشقجي، فبعد دخول المشايخ ممن يؤيدون السلطة
السعودية في قضية خاشقجي، مثل الشيخ السديس، والشيخ المغامسي، ثم تراجعه بتوضيح موقفه، لكن غيره لم يفعل، بل بدأ مؤيدا للسلطة السعودية ومستمرا فيه، كالسديس وعائض القرني.
مؤسسة مستقلة نظريا
لكن الجديد والغريب الآن، هو دخول مجمع الفقه الإسلامي الدولي على الخط، رغم أنه ليس مؤسسة سعودية، ولا سياسية، بل هو مؤسسة فقهية عالمية تتبع منظمة التعاون الإسلامي، والتي كانت سابقا: منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد أصدر رئيس المجمع الفقهي بيانا بعنوان: بيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، موقعا باسم رئيسه: أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد.
والملاحظ على الخطاب الذي من المفترض أنه يتحدث عن جريمة مقتل جمال خاشقجي، فلا يذكر فيه اسمه إلا مرة واحدة، بينما كل الحديث عن السعودية كدولة وحاكم ونظام، وكان الكلام عن خاشقجي مجرّد كلام عام، لا يدين قاتله الحقيقي، ولا يطالب بمعاقبة من أمر بقتله، بل يقف عند حدود ما اعترفت به السلطة السعودية مجبرة بعد إنكار لفترة، وربما لو انتظروا أياما أخرى تعترف فيه السعودية بتفاصيل أخرى لتغيرت لهجة الخطاب، ولو كتبوا الخطاب في أول الأمر، لوجدته يتحدث عن اختفاء خاشقجي وليس عن قتله، وعدم اتباع الشائعات التي تدعي مقتله!!
في ضيافة الملك
العجيب كذلك في بيان مجمع الفقه، أنه مكتوب بتوقيع الرئيس، وجلساته لم تنته بعد، والأصل في المجمع والقضايا التي يتناولها، أن يظل فترة يعكف عليها ليناقش قضايا فقهية، وعند تعرضه لقضايا سياسية، تكون قضايا سياسية تهم الأمة، وليست قضايا خاصة بنظام، لكن بما أن المؤتمر في السعودية، وفي ضيافة ملكها، فلا مانع من التوظيف السياسي لمؤسسة فقهية كالمجمع، ليقوم رئيسه بإصدار بيان أشبه بمن يقدمون (النقوط) في فرح، بغض النظر عن أن الحالة حالة قتل بشعة، وقد ظل رئيس المجمع لقرابة شهر صامتا، لا ينبس ببنت شفة!!
أما العبارة التي تدل على فجاجة التوظيف السياسي فعبارة البيان التي يقول فيها رئيس المجمع: (كما يؤكد المجلس أن محاولات النيل من المملكة العربية السعودية، غايتها النيل من الأمة الإسلامية كلها، بما تحققه من نهضة شاملة في سائر المجالات، في ظل القيادة الحكيمة للملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، يغيظ الحاقدين والمتربصين).
اختزال مُخلّ
فهنا يعتبر البيان أن النظام السعودي يمثل: (جماعة المسلمين)، فتختزل الأمة فيهم، وأن عداء أي نظام، أو شخص، أو خلاف سياسي معها يعتبر عداء للأمة الإسلامية كلها، وهو ما كان ينكره المجمع في بياناته؛ وينكره علماؤه من أن بعض الجماعات الإرهابية تتعامل على أنها (جماعة المسلمين)، وأنها الممثل الوحيد للأمة والإسلام، وهو ما وقع فيه بيان رئيس المجمع، وهو رئيس هيئة علمية فقهية المفترض فيها الدقة في الصياغة، وكأن من صاغ البيان جهة أمنية في السعودية وليست جهة علمية.
ومن الطريف كما ـ كتب صديقنا الدكتور معتز الخطيب ـ أن هذا البيان الركيك يعتبر أن الهدف هو النيل من (الأمة الإسلامية بأسرها)، وهو استخدام مبتذل لتعبير الأمة وقع ويقع من قبل البيانات التي تدعم مواقف المستبدين، وكذلك وقع استخدامه في حصار قطر، ما يعني هذا إخراج دول وفعاليات عديدة من مفهوم (الأمة الإسلامية) وعلى رأسهم تركيا!!
الأمر المهم هنا أيضا: تجاهل رئيس مجمع الفقه، والمجمع كذلك، لما يتعرض له علماء وفقهاء سعوديون تم اعتقالهم دون جريرة فعلوها، بينما اهتم ـ على غير عادته ـ بأمر صحفي سعودي، وإن كانت قضيته قضية مظلوم، قتل غدرا، لكن في حين يقبع فقهاء ومفكرون، ودعاة، وعلماء كبار من أبناء السعودية في السجون منذ أكثر من عام، لم نر الجهات العلمية الدينية أفرادا ومؤسسات تنبري ولو بكلام عام للحديث عن هؤلاء المظلومين والمعتقلين ظلما، ولو بالتلميح، بل انبروا يؤيدون ما يفعله النظام معهم، ليتحولوا لمجرد أداة يتم توظيفها سياسيا فيما يريده الحاكم من تبرير لظلمه وبطشه بمخالفيه!
Essamt74@hotmail.com