كشفت مجلة "نيويوركر" معلومات مثيرة عن شركة استشارات كبرى قدمت خدمات للسعودية، أدت إلى مساعدتها في مطاردة معارضين سياسيين في الخارج.
وكتبت التقرير الصحفية شيلا كولهاتكر. وجاء فيه أن مقتل الصحفي جمال خاشقجي كشف عن تعاملات شركة "ماكينزي أند كومبانيز"، وهي شركة استشارات معروفة بحرفيتها العالية مع النظام السعودي، ودورها في مساعدته على ملاحقة المعارضين له في الخارج. وهو ما تنفيه الشركة بشدة.
وقال التقرير الذي ترجمته "عربي21" إن علاقة الشركة مع ولي العهد السعودي والأنظمة الأخرى، جعل البعض يصف عملها بنشاطات المرتزقة.
ويضيف التقرير أن الشركة التي تعمل منذ قرن في مجال تقديم الاستشارات للشركات والحكومات في كل أنحاء العالم، تمتعت بسمعة الحرفية والتعقل لدرجة صار يحيط باسمها نوع من الأحجية، فالتعامل معها يعني أنها جادة في حل مشكلة معينة أو إعادة تنظيم شركة أو حتى الإعلان عن منتج جديد. فيما تظهر الشركة الباحثة عن خدماتها استعدادا لدفع الملايين مقابل الاستشارات. وهناك قاعدة ذهبية في التعامل مع "ماكينزي" تجعلها مختلفة عن بقية شركات الاستشارات، وهي إصرارها على عدم نسبة العمل إليها. ويوافق أي زبون على عدم الكشف عن تعامله معها. فما تبيعه هذه الشركة هو المصداقية والأفكار.
وينقل التقرير عن داف ماكدونالد، مؤلف كتاب "الشركة: تاريخ ماكينزي وسر تأثيرها على المال والأعمال الأمريكي": لو كان لدى ماكينزي فكرة عظيمة واتبعت نصيحتها ونجحت فلن تراها تركض هنا وهناك وتقول: "هذه هي فكرتنا". ويضيف: "في الوقت نفسه، فإن الشركة كجزء من التعامل لا تتحمل المسؤولية. ويقولون للزبون: يمكن أن تنسب كل شيء لنفسك، وعليك ألا تحملنا المسؤولية لو كانت النتائج سيئة".
وتعرضت محدودية هذا النموذج إلى امتحان كبير من خلال الكشف عن احتمال مساعدة ماكينزي للسعودية في إساءة معاملة نقادها. ففي 26 تشرين الأول (أكتوبر) نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا قالت فيه، إن حكومة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أرسلت عملاء للتحرش بالمعارضين لها في الخارج، بمن فيهم الصحفي جمال خاشقجي.
وكشف التقرير عن أن ماكينزي أعدت تقريرا من 9 صفحات قارنت فيه موقف الرأي العام من سياسات اقتصادية سعودية معينة. وأشار التقرير إلى ثلاثة أشخاص رأى أنهم يقدمون تغطية سلبية لها على "تويتر"، وهم كاتب سعودي مقيم في السعودية (خالد العلكمي)، ومعارض يقيم في كندا (عمر عبد العزيز) وحساب آخر مجهول.
وبعد التقرير، تم اعتقال العلكمي وإخوة عبد العزيز في السعودية، وأغلق الحساب المجهول على "تويتر". وكان الكشف عن دور ماكينزي وعملها مع السعودية حاسما وسريعا. ونشرت الشركة بيانا على "تويتر" نفت فيه أن تكون عملت مع السعودية وأعدت تقريرا عن المعارضين. وجاء فيه: "في عملنا مع الحكومات لا تقوم ماكينزي، ولن تبحث عن عمل يستهدف أفرادا بناء على آرائهم". و"كانت الوثيقة المختصرة مجرد مراجعة عامة للمواد المتوفرة عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي". و"كان الهدف منه القراءة الداخلية". وقالت الشركة إنها تشعر "بالرعب" من إمكانية استخدام عملها بطريقة غير صحيحة، وأنها تقوم بالتحقيق حول كيفية وصول تقريرها لأشخاص لم يكن لهم حق في قراءته.
ورأى تقرير "نيويوركر" أن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من دور ماكينزي في هذه الحادثة، وربما لم يكن شنيعا كما بدا. إلا أنه في السنوات القليلة الماضية أصبحت الشركة التي تحب أن تكون خارج الأخبار متورطة في سلسلة من التشابكات الشائنة. ولو أخذت مجتمعة، فإن الحوادث تقدم صورة عن أن التزام ماكينزي بالعمل مع كل شخص يدفع لها بشكل باذخ؛ من الصين إلى عدد من الوزارات في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحلل فيه نفسها من أية مسؤولية، مما يفعله الزبون بالمعلومات التي تقدمها له، وقد يؤدي إلى مستويات من التنازلات الأخلاقية.
ويقول ماكدونالد: "أعتقد أنه من خلال طبيعة عمل الشركة فإنها تشبه مرتزقة، يعملون مع أي شخص". ويضيف: "لا أعني أنهم يعملون مع مجرم، ولكنهم يعملون مع من يستأجرهم".
وكانت أكثر التعاملات الأخيرة للشركة والمثيرة للقلق؛ عملها في جنوب إفريقيا. ففي عام 2015، وبحسب تقارير لنيويورك تايمز وقعت الشركة عقدا بقيمة 700 مليون دولار لتقديم خدمات استشارية لـ"إيسكوم"، وهي الشركة المملوكة للدولة وتقول بالتزويد بالطاقة. وكان من الواضح أن ماكينزي أصبحت مشاركة للإخوة آجي وأتول وراجيش غوبتا الذين كانت تعاملاتهم المالية في مركز فضيحة فساد تركت أصداء واسعة في البلاد. وزُعم أنهم استخدموا علاقاتهم الشخصية مع الرئيس جاكوب زوما للتحكم في الحكومة وتحقيق أهداف شخصية. واستقال زوما بداية هذا العام نتيجة لذلك. وعندما ووجهت بانتقاد دولي؛ نفت ماكينزي أن تكون ارتكبت خطأ، ولكنها اعترفت بسوء تقدير. وقامت بتغيير الطاقم التابع لها في جنوب إفريقيا وأعادت 74 مليون دولار حصلت عليها من الحكومة. وقال المدير الإداري للشركة دومينك بارتون: "لسنا كذلك" و"لا نقوم بعمل ذلك"؛ في تصريحات نقلتها عنه "نيويورك تايمز".
وفي هذا الصيف ووسط الاحتجاجات ضد سياسات ترامب المضادة للهجرة كُشف عن تعامل الشركة مع وكالة الهجرة وفرض الجمارك. وقالت إن العقد مع الوكالة هو "طويل الأمد"، ولا علاقة له بتنفيذ السياسات. وعندما كُشف عن دور الشركة مع وكالة الهجرة وفرض الجمارك حدث جدال شديد بين الموظفين الحاليين والسابقين فيها.
ويقول تقرير "نيويوركر" إن دينامية عمل الشركات أصبح مشتركا في السنوات الأخيرة، ففي هذا العام احتج موظفو غوغل على شركتهم لتوقيعها، عقد مع البنتاغون لتوفير خدمات ذكاء اصطناعي مما أدى إلى إلغائه. وفي الأسبوع الماضي أعلنت شركة مايكروسوفت بهدوء عن عقد مع الجيش لتوفير الذكاء الاصطناعي. وانتهى عقد ماكينزي مع وكالة الهجرة وفرض الجمارك، الذي بدأ عام 2016. وكتب المدير المشارك لماكينزي ملاحظة للعاملين فيها أن الشركة لن تعمل أو تشارك في أي عمل في العالم، يدعم أو يدفع بسياسات تتناقض مع سياستنا. وعانت الشركة من لحظات سوء السمعة، ففي هذا الخريف كُشف عن تعاونها مع الحكومة البورتوريكية لإدارة مليارات الدولارات من الدين. وفي الوقت نفسه استثمرت في بعضها، مما أثار تساؤلات حول تضارب في المصالح.
وترى كاتبة التقرير أن مشاكل ماكينزي نابعة من كونها ناجحة، ولها تأثير وعلاقات أكثر من أي شركة أمريكية. ولا يوجد أي نوع من الإشراف الخارجي أيا كان فدراليا أم غيره عليها. ولهذا فهناك حاجة لأن تفرض معايير على نفسها.
وتساءل ماكدونالد قائلا: "لمن يتبعون؟" مضيفا: "يعملون مع أف بي آي، ووزارة العدل ووكالة الهجرة والجمارك وبورتوريكو، ويعملون مع كل البنوك الكبيرة ومع كل واحد، أي إنها عابرة للقارات". ويضيف: "أمر مثل جنوب إفريقيا حدث ومن سيعاقب شركة بهذا الحجم والتأثير على أمر كهذا؟ وماكينزي شركة مؤثرة ولها روابط في كل أنحاء الكرة الأرضية".
بتريوس وشركات ضغط أمريكية تقاطع "مؤتمر ابن سلمان" بالرياض
اسم ابن نايف يتردد في الإعلام الغربي بعد "مأزق" ابن سلمان
مفاجأة "أوبزيرفر": ابن سلمان "مفتون" ببوتين.. ولكن لماذا؟