نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لكل من ديفيد كيرباتريك وبن هبارد، يقولان فيه إن شهرا مضى على مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، إلا أن موقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يبدو آمنا، رغم الإجماع الدولي على أنه يقف وراء قتل الصحافي.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن حصانة موقع ولي العهد نابعة من طبيعة السلطة في السعودية والملكية المطلقة ووحشيته، مستدركا بأنه مدين للبقاء في السلطة لإدارة دونالد ترامب، التي قررت الوقوف إلى جانبه، بحسب ثلاثة أشخاص مطلعين على المناقشات داخل الإدارة.
ويقول الكاتبان إنه باستثناء تدخل من والده الملك سلمان، فإن التوقعات كلها كانت تشير إلى أن ابن سلمان، البالغ من العمر 33 عاما، سيخلف والده ويحكم السعودية لمدة طويلة.
وتكشف الصحيفة عن أن مسؤولين في البيت الأبيض علموا من مكالمة أجروها في 9 تشرين الأول/ أكتوبر مع ولي العهد، أنه اعتبر خاشقجي، المقيم في فرجينيا والكاتب في صحيفة "واشنطن بوست"، أنه إسلامي خطير، وذلك بحسب شخصين مطلعين على المكالمة، ولهذا علم المسؤولون أن لديه دافعا محتملا لقتله.
ويشير التقرير إلى أن الإدارة التي استثمرت كثيرا في الأمير محمد بن سلمان، بصفته دافعا مهما في أجندة الإدارة في المنطقة، تتعرض لضغوط من حلفائها في المنطقة، خاصة قادة إسرائيل ومصر، فتوصلت إلى نتيجة بأنها لا تستطيع الحد من سلطاته، وبدلا من ذلك فإن البيت الأبيض انضم لحكومات المنطقة لتقييم آثار الوصمة التي تلاحق ولي العهد السعودي وقدرته على مواصلة الحكم، وما هي المنافع التي يمكن استخراجها من ملامح ضعفه.
وينقل الكاتبان عن مديرة مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت مها يحيى، قولها: "الجميع يحاول حلب هذه الفكرة"، وأضافت أن الأمير محمد بحاجة إلى دعم خارجي لإعادة تأهيل نفسه، "فالجميع يحاولون تحويل هذا الأمر إلى صالحهم، والحصول على ما يمكنهم الحصول عليه".
وتبين الصحيفة أنه بالنسبة للولايات المتحدة والعارفين في تفكيرها، فإن هذا يعني الضغط عليه لحل الحصار الذي قاده ضد قطر، ووقف القصف على اليمن، فدعا وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية إلى وقف الأعمال العدوانية في اليمن كجزء من خطة سلام.
ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين في إدارة ترامب ناقشوا مقترحات، مثل حث الملك سلمان على تعيين رئيس وزراء قوي، أو مسؤول آخر ليشرف على الأمور اليومية والسياسة الخارجية، وذلك بحسب أشخاص على معرفة بالنقاشات، مشيرا إلى أنه تم التخلي عن هذه الفكرة؛ لأن لا أحد يمكن ان يتسلم هذا المنصب، أو يظهر بمظهر المنافس لولي العهد الذي يسيطر على الأمن والإستخبارات ويحظى بثقة الملك.
ويورد الكاتبان نقلا عن خبراء ودبلوماسيين، قولهم إنه من غير المحتمل موافقته على التخلي عن مسؤولياته بالطريقة التي تريدها الحكومات الغربية، وقبوله دورا منخفضا، أو مشاركة في المسؤوليات، فالملكية المطلقة في السعودية تعتمد على أفراد وليس على مكتب.
وتنقل الصحيفة عن الباحث في جامعة برنستون برنارد هيكل، قوله: "السلطات كلها تنبع من الملك.. يقوم الملك بتفويض السلطة إلى شخص وتظل في يده حتى يأخذها الملك منه".
ويفيد التقرير بأن "مقتل خاشقجي أعطى محمد بن سلمان الفرصة ليستفز ويخيف من هم في المملكة، حتى من أفراد العائلة الحاكمة، وخسر الكثير من الأمراء السلطة والمال بسبب صعود الأمير السريع خلال السنوات الثلاث الماضية، وزاد مقتل خاشقجي مخاوفهم، وهناك من همس بوجود مؤامرة لعودة الأمير أحمد هذا الأسبوع، الذي عارض تعيين الأمير محمد وليا للعهد، وبدأ ينتقد النظام الذي يديره الملك وابنه، وربما كانت عودة الأمير أحمد، الذي كان مقيما في لندن، لفتة تضامن مع العائلة".
وينقل الكاتبان عن أحد أفراد فرع من العائلة تلاشت قوته بسبب صعود ابن سلمان، قوله إنه لهذا، فإنه لا يوجد هناك بديل لهيمنة الأمير محمد، وأضاف: "إنهم يكرهونه، لكن ماذا يفعلون؟.. لو تحدثت فسيضعونك في السجن، في الوقت الذي تريد الدول الأخرى بيع السلاح وشراء السلاح، وسأكون حزينا لو أفلت من هذه"، مقتل خاشقجي.
وتنوه الصحيفة إلى أن ولي العهد، المعروف بـ"أم بي أس" أهان وسجن أي منافس له داخل العائلة المالكة، وبدا مبتسما في مؤتمر الاستثمار الأسبوع الماضي، وغير آبه بردة الفعل الدولية على القتل، فيما يعتقد مسؤولون غربيون أنه من السذاجة الحديث عن مستشارين يمكن أن يقوموا باحتوائه.
ويورد التقرير نقلا عن دبلوماسي غربي يعرفه، قوله: "لو تم ضبط (أم بي أس) فإنه سيحاول الخروج من القيد.. سيصبح تهديدا لمن يعتقد أنهم فعلوا هذا له".
ويستدرك الكاتبان بأنه رغم نجاحه داخليا، إلا أن مغامراته الخارجية مثار تساؤل، مشيرين إلى أن مقتل خاشقجي قاد الدول إلى إعادة تقييم سياسات أخرى، مثل الحرب في اليمن، التي خلقت كارثة إنسانية، بالإضافة إلى أن حملته لاعتقال 200 أمير ورجل أعمال بتهم فساد غامضة أخافت المستثمرين من الخارج.
وتقول الصحيفة إن الأغرب في تلك المغامرات كانت هي اختطاف وإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، على الاستقالة، وكان حاضرا في مؤتمر الأسبوع الماضي، حيث قال ولي العهد مازحا إن الحريري يمكنه العودة بحرية.
ويذكر التقرير أن المسؤولين السابقين والحاليين في الدول الغربية يشيرون إلى أن مقتل خاشقجي يؤكد تهورا وخطورة وقوة تهدد الاستقرار، ويقول السفير الأمريكي السابق في الرياض ديفيد راندل، الذي عمل فيها 15 عاما، إن ولي العهد تضرر "لأن المؤسسات والحكومات في الخارج لم تعد راغبة في التعامل معه".
وأضاف راندل أن الولايات المتحدة والحكومات الغربية تقيم علاقات واسعة مع السعودية، ولن تتخلى عنها، وتتوقع "حذرا جديدا واستعدادا للتنازل" من ولي العهد.
وينقل الكاتبان عن نائب مدير السياسة في برنامج الديمقراطية للشرق الأوسط، والمسؤول السابق في الخارجية أندرو ميلر، قوله إن الوصمة التي يحملها ابن سلمان ستعرقل جهوده للتعامل مع الحكومات الغربية، حيث دعا إلى اتخاذ موقف متشدد من إيران، و"أعتقد أن هذا سيعقد من مهمته للتركيز على إيران؛ لأن الأعمال التي يشجبها هناك يقوم باقترافها".
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول مطلع على مناقشات الكونغرس، قوله إنه يعتقد فرض الكونغرس نوعا من العقوبات، إلا أن البيت الأبيض يريد أن يبقي العقوبات في الحد الأدنى حتى لا تتأثر العلاقات مع ولي العهد، الذي لا يزال دوره مركزيا في خطة جارد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي للسلام في المنطقة، ولبناء تحالف ضد إيران، ويأمل كوشنر قيام محمد بن سلمان بالضغط على الفلسطينيين لقبول الخطة.
ويشير التقرير إلى أن ابن سلمان قال إن خاشقجي "إسلامي خطير"، وذلك في مكالمة جرت في 9 تشرين الأول/ أكتوبر مع كوشنر ومستشار الأمن القومي جون بولتون، أي بعد سبع أيام من اختفاء الصحافي، وقبل أسبوع من اعتراف السعودية بمقتله داخل القنصلية.
وقال شخصان مطلعان على المكالمة إن ولي العهد وصف خاشقجي بانه عضو في جماعة الإخوان المسلمين، أي أنه اعتبره راديكاليا خطيرا، فيما لم يكن خاشقجي عضوا في جماعة الإخوان، مع أنه انضم إليها في شبابه، وحافظ على صلات مع عدد من أفرادها، وكتب مقالات ناقش فيها أن حظر الإخوان غير متوافق مع الديمقراطية في المنطقة.
وينقل الكاتبان عن شخصين على لطلاع على خطط الأمير، قولهما إنه سيقوم بتخفيف مخاوف الدول الغربية التي ظهرت بعد مقتل خاشقجي، حيث سيقوم بتعديل طريقة اتخاذ القرار، وسيحاول تجنب حدوث حوادث كهذه، وبدلا من التحول نحو المستشارين الكبار، يبدو أنه يحرك الإجراءات نحو الشباب، مثل شقيقه الأمير خالد بن سلمان، الذي كان سفيرا في واشنطن، ومن المتوقع أن يعين مستشارا للأمن القومي، وربما بدأ وضع ولي العهد بالاستقرار في واشنطن.
وتورد الصحيفة نقلا عن قائد القوات المركزية في الشرق الأوسط جوزيف فوتيل، قوله: "لا يوجد تغير في علاقاتنا مع السعودية"، فيما أظهر عدد من رموز المال إنهم سيحاولون تجاوز مقتل خاشقجي، فقال مدير مصرف "أتش أس بي سي" جون فلينت: "أتفهم المشاعر حول القصة"، مضيفا أنه من الصعب فك العلاقة مع السعودية؛ نظرا لأهميتها للسوق العالمية.
وينقل التقرير عن مدير "جي بي مورغان تشيس" جيمي ديمون الذي، قوله إنه لم يحقق شيئا من عدم مشاركته في مؤتمر الاستثمار، لكنه يخطط للتعاون، "التعامل مع السعودية ليس شيئا سيئا، ولا يعني انك توافق على كل شيء".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول يحيى، إن ردودا كهذه ترسل رسائل قوية للرجال العرب الأقوياء، وأضافت: "يمكن أن تكون أكثر وحشية من السابق، لكن كن ذكيا في المرة الثانية ولا تقتل صحافيا معروفا داخل السفارة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فايننشال تايمز: ماذا يفعل ابن سلمان وكوشنر بالشرق الأوسط؟
أتلانتك: الكونغرس يدفع نحو مواجهة مع السعودية
نيويورك تايمز: العالم ينتظر أجوبة عن جمال خاشقجي