نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للمؤرخ والكاتب مارك كيرتيس، يتحدث فيه عن تداعيات حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ويقول كيرتيس: "في الوقت الذي يزداد فيه الضغط على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (أم بي أس) بشأن مقتل جمال خاشقجي، فإن لدى صناع القرار في واشنطن ولندن أولوية مهمة، وهي: الإبقاء على آل سعود كونهم حليفا اقتصاديا وعسكريا استثمروا الكثير فيه، لكن إن لم يكن بالإمكان إبقاء محمد بن سلمان، فإنه من المحتمل أن تعمل بريطانيا وأمريكا على نقل السلطة لحفظ الماء الوجه إلى أحد أقاربه".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه كانت هناك تقارير تفيد بأن العائلة الحاكمة بدأت في نقاش احتمال استبدال ولي العهد، مستدركا بأن هناك أيضا سابقة غير معروفة على نطاق واسع لدور غربي في عزل زعيم سعودي.
ويكشف كيرتيس عن أن "الملفات الحكومية البريطانية، التي رفعت عنها السرية، تظهر بأن بريطانيا دعمت سرا انقلابا في القصر في السعودية في الماضي، وحصل هذا الانقلاب عام 1964، لكن صداه الغريب لا يزال حتى أيامنا هذه، لقد ساعدت ولي العهد حينئذ الأمير فيصل على أن يخلع أخاه الأكبر الملك سعود، الذي حكم منذ عام 1953 بتأييد بريطاني للحفاظ على آل سعود".
ويلفت الكاتب إلى أن "فيصل كان مع أواخر الخمسينيات، مثل ابن سلمان اليوم، يعد القوة الحقيقية في السعودية، وكان يدير الحكومة، لكن في كانون الأول/ ديسمبر 1963 أراد الملك سعود أن يفرض سلطته بنشر قوات ومدافع خارج قصره في الرياض، فوقعت مواجهات مع القوات الموالية لفيصل، استمرت حتى حلول عام 1964، عندما طلب سعود من فيصل عزل وزيرين من حكومته لتعيين اثنين من أبنائه مكانهما".
ويستدرك كيرتيس بأن "الدعم الضروري لفيصل جاء من خلال الحرس الوطني، والمؤلف من 20 ألف شخص، وتقع على عاتقه مسؤولية حماية العائلة المالكة، وكان قائد تلك القوات في وقتها الأمير عبدالله، الذي أصبح فيما بعد ملكا حتى وفاته عام 2015، عندما تحولت السلطة إلى أخيه غير الشقيق الملك سلمان، والد محمد بن سلمان".
ويتساءل الكاتب: "من كان يدعم الحرس الوطني؟ في وقتها، كما هو الآن، كان لبريطانيا وجود عسكري في البلد، بعد طلب من السعودية عام 1963، وتظهر الملفات البريطانية، التي رفع عنها الحظر، أن مستشارين بريطانيين للحرس الوطني، هما اللواء كنيث تمبريل والعقيد نايجل بروميغ، وضعا خططا بناء على طلب صريح من عبدالله (لحماية فيصل)، و(الدفاع عن النظام)، و(احتلال نقاط معينة)، و(منع الجميع من محطة الإذاعة ما عدا الذين يدعمهم الحرس الوطني)".
ويفيد كيرتيس بأن "هذه الخطط البريطانية ضمنت حماية فيصل شخصيا؛ بهدف ضمان انتقال السلطة كاملة له، وهذا ما حصل عندما اضطر الملك سعود للتنازل عن العرش".
وينوه الكاتب إلى أن "بريطانيا دعمت انقلاب القصر عام 1964 لهدف محدد: لقد نظرت إلى الملك سعود على أنه غير كفؤ، وعارض الإصلاحات السياسية الضرورية لمنع الإطاحة بآل سعود، فقد كتب القائم بالأعمال في السفارة البريطانية في جدة فرانك برينتشلي: (رمال الوقت تنفد بشكل مطرد للنظام السعودي)، وكان العامل الأكبر في وقتها الثورة القومية في اليمن المجاور، وتدخل القوات المصرية هناك، وهو ما اعتبر تحديا لنفوذ السعودية".
وأشار برينتشلي إلى أنه بالمقارنة مع سعود، فإن "فيصل يعلم أن عليه أن يدخل إصلاحات بشكل سريع إن كان النظام سيستمر، ولاحظ التعثر في كل مكان بسبب النقص في المديرين المدربين، فهو يكافح لتسريع التطور لأجل تفادي الثورة".
ويفيد كيرتيس بأن "تدريب البريطانيين للحرس الوطني السعودي زاد، وزادت صادرات الأسلحة البريطانية له بعد عام 1964، واليوم لدى بريطانيا عشرات المستشارين العسكريين للحرس الوطني، ومشروع كبير للمساعدة في (الاتصالات)، وتبقى مهمة الحرس الوطني التركيز على الحفاظ على (الأمن الداخلي)- وهذا يعني الحفاظ على آل سعود".
ويبين الكاتب أن "أمريكا لديها برنامج أكبر للتدريب و(التحديث) مع الحرس الوطني، وبقيمة 4 مليارات دولار، وهي الأكبر احتمالا لأن تؤدي دورا شبيها بالدور الذي أدته بريطانيا عام 1964".
ويجد كيرتيس أن "ما له صدى أيضا من منتصف ستينيات القرن الماضي هو أن بريطانيا كانت تتآمر مع السعوديين في اليمن في حرب كانت بقسوة الحرب الحالية ذاتها، وأطاحت ثورة شعبية في أيلول/ سبتمبر 1962 من القوى الجمهورية في اليمن بالإمام محمد البدر، الذي كان في السلطة لمدة أسبوع بعد وفاة والده الديكتاتور الإقطاعي الذي حكم البلاد من عام 1948، وقامت قوات الإمام باللجوء للجبال وأعلنت التمرد، في الوقت الذي قامت فيه بريطانيا والسعودية بحرب سرية في دعمهم، استمرت في فترة الستينيات من القرن الماضي".
ويشير الكاتب إلى أن "خوف المؤسسة البريطانية كان يكمن في أن الحكومة الجمهورية في اليمن، التي يدعمها رئيس مصر جمال عبد الناصر، ستهدد آل سعود، وتهدد المشيخات الأخرى التي تسيطر عليها بريطانيا في الخليج، ومع انتهاء الحرب عام 1969، وصل عدد الضحايا لحوالي 200 ألف، وكانت تلك الأرواح وقتها، كما هي الآن، ليست أهم من السياسات العليا بالنسبة للندن والرياض".
ويلفت كيرتيس إلى أن "انقلاب القصر عام 1964 قوى دور الفكر الوهابي في البلد، وفي آذار/ مارس 1964 أصدرت القيادة الدينية السعودية (العلماء) فتوى تدعم نقل السلطة إلى فيصل على أسس الشريعة، وبعد ذلك بيومين تنازل الملك سعود عن العرش".
وينوه الكاتب إلى أن السفير البريطاني وقتها، كولين كرو، علق متأملا طريقة نقل السلطة لفيصل، بقوله: "ما يمكن أن يكون أمرا خطيرا على المدى الطويل هو جلب العلماء إلى الصورة، فقد يطالبون بثمن مقابل دعمهم".
ويعلق كيرتيس قائلا إن "تعليقه هذا أثبت أن التحالف بين الوهابية و آل سعود سوف يستمر في الترويج للتطرف ودعم القوى الإرهابية في أماكن مختلفة من العالم".
ويذكر الموقع أن الحكومة البريطانية شجبت مقتل خاشقجي، وتؤيد تحقيقا في القضية، لكنها لا تزال تشير إلى الرياض على أنها "صديق وحليف"، وتركز على "الشراكة الاستراتيجية المهمة" بين البلدين، التي تشمل التعاون العسكري والتجاري، "لكن كيف يمكن لزعيم سعودي يداه ملطختان بالدماء أن يستمر في التظاهر أمام العامة في الغرب بأن الأمور تتحسن في المنطقة؟".
ويقول الكاتب: "قد ينتهي الأمر في لندن وواشنطن بتفضيل إعادة لما حصل في 1964: وضع سعودي آخر في السلطة، لكن ما هو أفضل للسعوديين وللعالم سيكون أمرا مختلفا تماما، كما احتجت مضاوي الرشيد مؤخرا: السماح للناس بتجربة المشاركة في الحكومة واتخاذ القرار، بما في ذلك حرية التعبير، وتحويل تدريجي للسعودية إلى نظام ديمقراطي".
ويختم كيرتيس مقاله بالقول: "لهذا تحتاج لندن وواشنطن إلى ثورة في طريقة التفكير لتصبحا جزءا من الحل، بدلا من البقاء جزءا من المشكلة".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
الغارديان: هكذا ستختبر قضية خاشقجي علاقة الرياض بلندن
"التايمز" تشن هجوما عنيفا على السعودية بسبب خاشقجي
واشنطن بوست: ترامب شجع ابن سلمان على تهوره