تحدث ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ذكرياته مع الصحفي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول وعن حديثه الدائم عن أصوله التركية أمام أصدقائه الأتراك وتفضيله للإقامة في تركيا.
وفيما يلي نص المقابلة مع وكالة الأناضول التركية:
من هو جمال خاشقجي؟ ولماذا قتل؟ وكيف؟ ومن أصدر قرار قتله؟ وأين جثمانه؟ تساؤلات تحوّل بعضها إلى
ألغاز بعد أن تصدّرت أخبار اختفاء، ومن ثم مقتل الصحفي السعودي الشهير داخل قنصلية
بلاده في إسطنبول، عناوين الصحف ونشرات الأخبار.
ما هي أفكار جمال
خاشقجي التي قد تكون أدت إلى مقتله بشكل وحشي على يد فريق حضر خصيصا لهذا الغرض
وبتخطيط مسبق؟، ولماذا اهتم المواطنون الأتراك بالخبر؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها
طرحتها "الأناضول" على ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب "العدالة
والتنمية" في تركيا الذي افتتح حديثه بالقول:
جمال خاشقجي لم يكن
معروفاً لدى المواطنين الأتراك العاديين قبل أن يتصدّر خبر اختفائه ومقتله وسائل
الإعلام. ولم يكن يظهر في الإعلام التركي لأنه لم يكن يتحدث التركية رغم أنه من
أصل تركي.
هو حفيد أسرة تركية
عاشت في شبه الجزيرة العربية وبعد أن تم رسم الحدود في أراضي الدولة العثمانية بعد
الحرب العالمية الأولى بقيت الأسرة هناك.
وحول مدى افتخار
خاشقجي بأصوله التركية وانعكاس ذلك على فكره وتوجهاته، أوضح أقطاي بأن جذور أسرة
خاشقجي تعود إلى ولاية قيصري وسط تركيا، ولقد شعرت العائلة دائماً بتركيتها أثناء
عيشها في المملكة العربية السعودية، فجمال خاشقجي مواطن سعودي من أصل تركي، وكان
دائماً يبدي اهتماماً كبيراً بالعلاقات التركية – السعودية.
كان يُشعر الحاضرين
بأصوله التركية في الأماكن التي يتواجد بها ويفخر بها، وهذا الأمر يشترك فيه
الكثير من الأشخاص الذين نقابلهم خلال زياراتنا بين الحين والآخر إلى المناطق التي
كانت جزءًا من الدولة العثمانية حيث يفتخرون بأنهم من أصول تركية وهذا لا يقتصر
على زياراتنا إلى السعودية، بل أيضاً إلى سوريا، ولبنان، وتونس والجزائر ومصر
وغيرها.
وعن سؤال حول هل كانت
تركيا مصدر إلهام لخاشقجي؟ وهل كان ذلك سبب تردده إليها؟ أجاب المستشار بالقول: "ربما كلنا نُدرك أن من مميزات تركيا أنها مركز مهم للعالم الإسلامي، والكثير
من الاجتماعات والمؤتمرات السياسية، والتجارية، والثقافية، والأكاديمية المتعلقة
بمستقبل العالم الإسلامي تنعقد في إسطنبول".
فعلى سبيل المثال،
اجتمع قبل فترة عدد من نشطاء حقوق الإنسان يحملون جنسيات مختلفة وقرروا تنظيم
فعالية سنوية لتقديم جوائز في مجال حقوق الإنسان والسياسة الإنسانية، وقالوا إن
التجربة التركية في هذا المجال حفزتهم للقيام بذلك. وعلى إثر هذا أعلنوا اسم
الجائزة الأولى لعام 2018 "إسطنبول عاصمة الإنسانية".
"تركيا
في إطار هذا المعنى تعد مركزًا فكريًا وسياسيًا، وهي تسير نحو هدفها في اكتساب
القوة الإقليمية عبر الاعتماد على حقيقة وأرضية ويمكنكم رؤية ذلك عبر النظر إلى
طبيعة الاجتماعات التي تقام في فنادق إسطنبول يوميًا"، يستطرد أقطاي، .
وليس مستغربًا - كما
يشير - أن تكون إسطنبول نقطة تزورها شخصيات مثل خاشقجي بشكل متكرر ومكثف، فخاشقجي
وأمثاله هم على رأس قوائم الشخصيات التي تخطر على الأذهان عند تنظيم والدعوة لمثل
تلك الاجتماعات والمؤتمرات.
وحول فيما إذا كان
لخاشقجي وضع خاص في تركيا، وهل هو سبب تردده إليها مؤخراً.. قال أقطاي: "كل
شهر كان يحدث في تركيا فعالية أو مؤتمر كبير أو اجتماع يستدعي مجيئه إلى هنا. ليس
هو فقط، يمكنني القول إنه لم يبق مفكر في العالم لم يتقاطع طريقه في الفترة
الماضية مع تركيا. ولم يبق ناشط أو مفكر، إلا ما ندر، لم يجر زيارة إلى إسطنبول،
وخاصة إذا كان من العالم الإسلامي".
"بالطبع
كان لجمال خاشقجي وضع خاص. فهو بدأ يعيش منذ عام ونصف العام في العاصمة الأمريكية
واشنطن، بعد مغادرته للمملكة العربية السعودية. وروابطه مع تركيا كانت ناجمة عن
علاقة اجتماعية حيث بدأ بالتخطيط للارتباط بسيدة تركية والزواج منها ولهذا السبب
أعتقد أنه كثف زياراته إلى تركيا واشترى بيتا في إسطنبول وبدأ في التحضير للزواج
بشكل جدي وسريع، إلا أن هذا مع الأسف لم يتم".
"كان
يشعرنا في بيت الإعلاميين العرب الذي أسسناه مع السيد طوران قشلاقجي وبعض الزملاء
الإعلاميين. بأنه يجد نفسه في تركيا، كان يجد هنا الدفء الذي افتقده. فمنذ عام
ونصف لم يبتعد عن بلده فحسب، بل كان بعيدا عن دفئ أسرته. وكان لديه رغبة في العيش
وسط أسرة. وكان تخطيطه للزواج من تركية، ضمن هذا السياق"، يتذكر أقطاي.
أما بخصوص تأثر فكر
خاشقجي بتركيا، أوضح المستشار بالقول: "كان مؤمنا بأن تركيا تمثل قدوة جيدة
للغاية للعالم العربي وخاصة فيما يتعلق بإرساء الديمقراطية والتنمية وأن العالم
العربي والإسلامي حتمًا سيتأثر من هذه القدوة عاجلًا أم آجلًا". "كان
لديه موقف نموذجي، وقد وصف تركيا بهذه الأهمية حتى قبل تسلم حزب العدالة والتنمية
الحكم. وكان يفرح ويتأثر جدًا لنشاط تركيا في الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية
في ظل حكومة العدالة والتنمية".
وحول دعم خاشقجي
لثورات الربيع العربي ورغم ذلك لم يدعوا لمثلها في بلده، رأى أقطاي "كان
متحمسًا جدًا لثورات الربيع العربي ولم يكن يتردد في انتقاد بلاده ولكن بطريقة
واقعية جدًا، أي أنه لم يكن يبحث عن بديل للأسرة الحاكمة في السعودية أو عن ملك
بديل".
وأوضح قائلا:
"كان يعتقد بأن الملكية هي أمر واقع في بلاده كما هو الحال في بريطانيا، ولم
يكن لديه اعتراض في هذا الإطار، ولكن كان هناك إمكانية لكي تكون لبلاده حكومة ديمقراطية
أكثر وتحترم حقوق الإنسان أكثر على غرار الحكومة البريطانية. لذلك كانت سياسات
الإصلاح التي أعلن عنها الملك سلمان بن عبد العزيز بعد توليه الحكم، قد بعثت أملًا
كبيرًا لديه، حتى أنه لم يعترض كثيرًا في البداية على تدخل من شأنه إنهاء الفوضى
القائمة في اليمن".
وعن خلاصة المقال الذي
كتبه مؤخرا بعنوان "ما ذنب جمال خاشقجي؟"، قال المستشار: "ما تحدثت
عنه هو لماذا قتل؟ وما الخطأ الذي ارتكبه؟ وقلت إن ذنبه كان: الثقة. فلقد وثق
ببلده كثيرًا. وثِق في البداية بأنّ مواطني بلده لن يفعلوا معه مثل هذا الأمر. ووثق
بأن مثل هذه الحادثة لا يمكنهم القيام بها داخل تركيا، لأن تركيا دولة قانون وحقوق
ولديها جهاز أمن قوي".
"كما
وثق بأن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يحصل في قنصلية، وثق بأبسط شيء يمكن للإنسان
العادي الوثوق به، ولكن هذه الثقة قد اختلت، وما حدث معه جعل الناس يفكرون باحتمال
عدم الثقة بقنصليات بلادهم، إنها حادثة مروعة. ماذا يعني أن لا يثق الإنسان
بقنصلية بلده؟".
وعن سبب استهداف
المغدور برأيه، أضاف: "ليس هناك تهمة موجهة ضده من قبل السعودية، ولم يكن
معارضا كان لديه بعض الملاحظات مثل الاعتراض على الاعتقالات في السعودية وخروج الأمور
عن مسارها في اليمن وحدوث انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وهذه الملاحظات موجودة
لدينا أيضًا. كان يقول صراحة أن السعودية تتسبب بتعميق الأزمة (اليمنية) أكثر
بدلًا من حلها. وهذه انتقادات مشروعة وليست سببًا للقتل".
وخلص إلى أن
"هناك أسبابا أخرى أبعد بكثير، حيث رأى الجناة في خاشقجي عقلا قادرا على لم
شمل المعارضة وليس فقط كصحفي معارض. وهذه أدوار وهمية منسوبة إليه".
وحول فيما إذا كان
خاشقجي مصدر إلهام عبر أفكاره خاصة أنه كان ناشطا على وسائل التواصل الاجتماعي،
قال أقطاي: "كان لديه ما يقرب من مليوني متابع. عندما كان يغرد أو يدلي بتصريح
كان يجمع في غضون ساعة مئات أو حتى آلاف من ردود الأفعال. ميزته هذه من المحتمل
كانت تزعج بعض الناس في المملكة العربية السعودية".
لا يمكن أن تقتصر
أفكاره على المملكة العربية السعودية فقط، إنما تشمل كل العالم الإسلامي وتركيا.
كان يتابع عن كثب كل المجريات في تركيا. وكذلك بالنسبة لمصر.. كان لديه أفكار حول
تولي إدارة ديمقراطية العالم الإسلامي مجتمعة من خلال الربيع العربي، وكان نشطا في
هذا الموضوع ويتحدث عن هذه المواضيع في الاجتماعات التي يشارك فيها".
وحول تقييمه الشخصي
للارتياب الخليجي من "الإخوان المسلمين" والبنية الفكرية لجمال خاشقجي
ونظرته لـ"الإخوان"، جاءت إجابة أقطاي على النحو االتالي:
"الخوف
من الإخوان هو خوف من الديمقراطية. فالإخوان لم يسلكوا إلى الآن في أي منطقة
بالعالم الإسلامي طريقا سوى الديمقراطية من أجل المجيء إلى الحكم".
"إذا
كنا نريد التطرق إلى فكرهم فإن ذلك مفتوح للانتقاد. مفهوم يحتوي التنوع بداخله
ومنفتح على الحداثة ويدعم الحرية. ومنفتحون على المجيء إلى السلطة عبر الطرق
الديمقراطية. لم يلجأوا أبدا إلى العنف ولم يجعلوه جزءا من برنامجهم. أين لجأوا
لهكذا شيء في العالم الإسلامي؟ ورغم ذلك حصل ما حصل في مصر، حيث جاؤوا إلى السلطة
عبر الانتخابات وذهبوا عبر انقلاب".
"الإخوان
جاؤوا إلى السلطة عبر الديمقراطية ولم يلجأوا إلى العنف، بينما الذين جاؤوا إلى
الحكم عبر الانقلاب استخدموا أشد أنواع العنف وقتلوا 3 آلاف إنسان أعزل، الإخوان كانوا
الضحية دائما، فهم ليسوا القائمين على العنف في العالم الإسلامي بل ضحية ذلك. من
السخافة الضغط عليهم بهذا الشكل".
"هناك
جهود كبيرة من الإمارات والسعودية لشيطنة الإخوان، ويتم صرف مبالغ طائلة في هذا
الخصوص. نحن لسنا إخوانا ولسنا مخولين بالدفاع عن الجماعة، إلا أننا نراها جزءا
مهما من العالم الإسلامي. لهذا فإن كان هناك عداء ضد الإخوان فإن هذا يعني عداء ضد الديمقراطية. الإخوان لم تلجأ إلى العنف بل على العكس سعت وراء المعقول في كل
مكان".
وردا على سؤال حول ما
إذا كان خاشقجي يتبنى فكر الإخوان ولهذا السبب كان يبدوا خطيرا في الخليج، أجاب
أقطاي بالقول: "من المحتمل أن له علاقة وثيقة مع الأوساط الإخوانية مثلما له
علاقات مماثلة مع العديد من الأوساط السياسية والإسلامية، فضلا عن معرفته بالعديد
من المثقفين في العالم الإسلامي. ويمكن أن يكون لديه تفاعل معهم. ولكن من غير الصحيح
اعتباره "إخوانيا" مطلقا، لأنه كان شخصا له علاقات جيدة مع شرائح
مختلفة، ومع الليبراليين. كان لديه علاقة وثيقة وتفاعل مع الليبراليين في كل من
مصر والعالم الإسلامي. لكنه كان رجلا متدينا".
وبلهجة أكثر حسما، قال
أقطاي: "لم يكن لدى خاشقجي أي ارتباط تنظيمي، ولم يكن جزءًا من كيان منظم
داخل المملكة العربية السعودية. وكان يمتلك هوية رسمية فترة طويلة. لم يكن له دور
عضوي ضمن حركة الإخوان، ولكن ربما كان هناك تقارب في الرؤى مع الجماعة من الناحية
الفكرية. لقد كان مدافعا عن الديمقراطية وانفتاحها. الديمقراطية التي كان يريدها
ربما ديمقراطية ملكية في المملكة العربية السعودية وليست جمهورية".
وعن رده الشخصي على من
يحاول تصوير أن جماعة "الإخوان المسلمين" يحكمون تركيا، والعلاقة
بينهما، أوضح أقطاي "بالطبع ينبغي التطرق إلى الذين يحاولون إظهار تركيا
و"الإخوان" معا. وأرى أن محاولات البعض اقران الجماعة بالحكم في تركيا
أو العدالة والتنمية.. هي بمثابة دعاية بسيطة ورخيصة. هناك فروقات بحجم الجبال بين
سوسيولوجيا "العدالة والتنمية" وسوسيولوجيا الإخوان".
ويفسر أقطاي:
"حزب العدالة والتنمية و"الإخوان" عالمان مختلفان، فالحزب أعلن منذ
البداية أنه ليس إسلاميا. وهو كحزب سياسي، يهدف لإدارة جيدة وعادلة، وتحقيق
التنمية والديمقراطية في البلاد، وهو هيكل يضم جميع شرائح المجتمع، ويعكس الإرادة
المشتركة لهم، ولا يمكن أن تحصر حزب العدالة والتنمية في عقلية واحدة. وعندما نقول
أن العدالة والتنمية ليس حزبًا إسلاميًا، فلا نعني من ذلك أنه ليس له صلة
بالإسلام. يمكن أن يضم بصفوفه من ليس له علاقة بالإسلام، وعلمانيين أو ليبراليين
لا يؤمنون بالإسلام، وغيرهم ممن لديهم اتجاهات أخرى".
وفي هذا الصدد،
"ما يُعرّف حزب العدالة والتنمية ليس موقفه الديني، فالشيء الذي يجمع الناس
ضمن الحزب هو مستقبل البلاد، وتطورها، وإرساء الديمقراطية فيها، وتوسيع الحريات،
وأمنها، وهويتها العامة. لسنا في وضع نحدد فيه الهوية الدينية أو الأيديولوجية لأي
شخص، ولم نتبن مهمة كهذه. حزب العدالة والتنمية هو حزب ديمقراطي محافظ".
وعن تقديره الشخصي لمدى
تأثير مقتل خاشقجي على مسيرة المثقفين، لاسيما العرب في تركيا وأوروبا، ختم أقطاي
قائلاً: "لا ينبغي لأحد أن يفكر بأن ما حل بخاشقجي سيخيف كل المثقفين. فخاشقجي
عاش حياة كريمة مكافحا ومدافعا عن مبادئه، ولم يتراجع عن الخوض في ما يمكن أن يبدي
رأيه فيه". ولقد "انتقدَ دولته بشكل علني في موقفها من الربيع العربي،
وأبدى رأيا مغايرا لموقفها. كما تبنى موقفا مغايرا لها في مسألة حصار قطر. وبسبب
موقفه المغاير هذا، اضطر إلى مغادرة بلده لتجنب الدفاع عن أشياء لا يؤمن
بها".
واختتم ياسين أقطاي
حديثه بالقول: "في النهاية.. الدنيا مذ أن خُلقت.. مكان يدفع فيها كثير من
أصحاب الفكر الحر الثمن"..
مئات الصحفيين يطلقون رابطة "أصدقاء خاشقجي" بإسطنبول
تشاووش أوغلو: السعوديون لا يشاركون بتحقيقات مقتل خاشقجي
صحيفة تركية: الاستخبارات تتعقب سيارات القنصلية السعودية