أصدرت هيئة
قناة السويس خلال العامين الماضيين سلسلة من التخفيضات على
رسوم المرور والشحن والتفريغ والإرشاد وصلت لـ70% ببعض الحالات، إلا أن قراراتها
الأخيرة تشير لخطورة الموقف الملاحي والاقتصادي للقناة، باعتبار أن استمرار
التخفيضات يبرهن على ضعف حركة الملاحة، ووجود منافسة قوية من الممرات الملاحية الأخرى.
وكان
رئيس الهيئة الفريق إيهاب مميش أصدر قرارا الأحد بمنح سفن الغاز الطبيعي المسال،
المحملة والفارغة، بين الخليج الأمريكي وسنغافورة تخفيضا جديدا بنسبة 15% لتصل التخفيضات
الممنوحة لهذا الخط 65% خلال عام واحد.
وبررت
الهيئة في بيانها هذه التخفيضات بأنها لجذب الخطوط العاملة في مجال نقل الغاز من
الموانئ الأمريكية لمنطقة جنوب شرق آسيا، والكاريبي، وغرب الهند، خاصة وأن تخفيض الـ
50% لم يحقق أهدافه.
وقبل
ثلاثة أيام من هذا القرار، أصدر مميش قرارا بتخفيض رسوم الميناء
والرسو والإرشاد لسفن الحاويات والعبارات القادمة من الموانئ الأجنبية لميناء شرق
بورسعيد، يترواح بين 30% إلى60 %.
وحول
سلسلة التخفضيات التي تقوم بها قناة السويس، يؤكد الخبير بمجال النقل البحري مجدي
مسعود، أن هناك تغيرات جوهرية طرأت على حركة الملاحة البحرية، ما أفقد قناة السويس
أهم المميزات التي كانت تتمتع بها وهو قصر المسافة، حيث لجأت الصين وروسيا ودول
أخرى لتغيير أسواقها على مستوى العالم، ما أدى لاتخاذ طرق بديلة عن قناة السويس.
ويضيف
مسعود لـ"
عربي21" أن القرارات المتعلقة بميناء بورسعيد تأخرت كثيرا، وجاءت
بعد أن هجرت السفن والحاويات الميناء رغم أهميته، بسبب سوء الإدارة ونقص الخدمات
وارتفاع الرسوم مقابل ما يتم تقديمه من خدمات، وبالتالي لجأت شركات الملاحة العالمية
لموانئ أخرى منافسة بأوروبا وتعاقدت معها على الخدمات اللوجيستية التي تحتاجها قبل
القدوم للقناة، وهو ما دفع هيئة القناة لمنح هذه التخفيضات التي تعد الثانية خلال
هذا العام بعد تخفيضات سابقة أعلنتها الهيئة مطلع 2018 لإنقاذ الميناء وإعادته
للحياة مرة أخرى.
ويؤكد
مسعود أن مشكلة الحكومة
المصرية أنها غير مقتنعة بأن المشروعات التي قامت بها في
توسعات القناة كانت خاطئة وتمت في إطار "العنجهية" وليس الدراسة
العلمية، خاصة أن هناك تراجعا كبيرا في حركة التجارة العالمية، بالإضافة لإعادة
تشغيل ممرات بحرية أخرى على مستوى العالم تتمتع بمميزات أفضل من قناة السويس من
حيث المسافة والسرعة، وهو ما كان سببا في الأزمة الحالية التي تواجهها القناة، وسوف
تواجهها بالمستقبل.
من
جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي أيمن النجار أن تراجع حركة المرور بقناة السويس يمثل
أزمة للدخل القومي الذي كانت تمثل القناة بندا أساسيا فيه، كما كانت تمثل أحد أهم
مصادر النقد الأجنبي، بعد خروج السياحة من المعادلة الاقتصادية خلال السنوات
الماضية، وهو ما عولت عليه الحكومة كثيرا بعد التوسعات التي جرت بالقناة.
ويضيف
النجار لـ"
عربي21" أن الحكومة تؤكد في تقاريرها الرسمية أن القناة تحقق
أرباحا كبيرة نتيجة التوسعات، في حين أن القناة حققت
خسائر 7.1 مليار جنيه (398
مليون دولار) خلال الـ 11 شهرا الماضية فقط، مؤكدا أن مجموعة "درواي"
المختصة ببحوث الملاحة البحرية كشفت أن الصين حولت مسار رحلات سفنها المتعلقة
بالغاز بعيدا عن قناة السويس بعد أن استبدلت الغاز الأمريكي المسال، بالاستيراد من
قطر وأستراليا، وكلاهما مسافات شحن أقصر، وهو ما تكرر مع دول أخرى بحثت عما يحقق
لها مزايا اقتصادية سواء في المسافة أو أسعار الشراء.
وطبقا
للخبير الاقتصادي، فإن القناة سبق أن قدمت تخفيضات في آب/ أغسطس 2017 بنسبة 50% على
رسوم العبور بها، كما قدمت مزايا أخرى للسفن والحاويات أبرزها التعامل بفاتورة
شاملة منعا لعدم ازدواج تقديرات الرسوم، وبررت الحكومة المصرية هذه التخفيضات
وقتها بأنها تهدف لجذب الخطوط الملاحية العالمية للموانئ المصرية، إلا أنه يبدو أن
الخطوط الملاحية العالمية لها رأي آخر بدليل تقديم مزيد من التخفيضات لفشل عمليات
الجذب الملاحي.
ويشير النجار إلى أن الحكومة
المصرية توقعت زيادة عائدات القناة بعد التوسعات التي جرت في 2014 لتتجاوز 13
مليار دولار بحلول عام 2023، مقارنة بالعائد الذي حققته عام 2014، الذي بلغ 5.3 مليار
دولار، ولكن بعد مرور 4 سنوات على التوسعات، فإن القناة حققت في موازنة العام
الماضي 5.6 مليار دولار، وهو ما يقل كثيرا عن التوقعات التي قدمتها الحكومة، رغم
الزيادة التي شهدها العام الأخير عن الأعوام السابقة.