أخذت واقعة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من الشهر الجاري أبعادا واسعة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والإعلامية، وفي الأوساط الرسمية والشعبية على حد سواء.
ووفقا لمراقبين فقد نجحت وسائل إعلام تركية وأخرى عربية في "الانتقال بالحادثة من مساحات محلية ضيقة -كما كان يراد لها ذلك- إلى أخرى عالمية لتصبح حديث الصباح والمساء، ولتحتل المواد الأولى في التغطيات الإخبارية على مدار أسبوعين من وقوع الحادثة".
كما سارعت وسائل إعلام أمريكية كبرى إلى الاهتمام بالحادثة بصورة مكثفة ولافتة، وقامت بعملية حشد وتجييش لها على مستوى العالم، حتى بات خبر اختفاء خاشقجي حديث كل بيت، وخبر كل صحيفة، وقصة وصورة كل فضائية، متصدرة أخباره جميع مواقع التواصل الاجتماعي بحسب الباحث السياسي الأردني، خالد عبد الهادي.
وأضاف في حديث لـ"عربي21": "ووقعت الحادثة على أرض تركية، وأجهزتها الأمنية ليست بعيدة عن التعاون والشراكة مع الأجهزة الأمريكية، فقامت وسائل إعلامها بعملية "قصف يومي" على الرياض، عبر تسريبات يومية لصحيفتي "الصباح ويني شفق"، ما جعل السعودية في حالة شلل".
وتابع عبد الهادي حديثه بالقول: "وجعلها كذلك تعيش حالة حصار كامل، غاب معها عن الأنظار وزير خارجيتها عادل الجبير، وارتبكت أذرعها الإعلامية، وباتت تترقب في كل يوم تسريبات أنقرة التي تتحدث عن أدق التفاصيل لما جرى في قنصليتها باسطنبول".
وأشار عبد الهادي إلى أن "هذه الأزمة أمسكت بخناق السعودية، وانقضت عليها من غير انتظار، فقد كان مجرى الأحداث يشير إلى أن الأنظار ستتجه صوب طهران، وحصارها ماليا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، والرياض هي رأس الحربة في هذا الحصار، فإذا بالأمور تنقلب رأسا على عقب، وتصبح الرياض نفسها بؤرة التوتر".
وردا على سؤال حول تداعيات حادثة اغتيال خاشقجي على الرياض، نبه عبد الهادي إلى أن "الملفت في هذا السياق إعلان كثير من المؤسسات المالية والاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية والسياسية مقاطعتها لمؤتمر الرياض للاستثمار، بما فيهم وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، وحتى مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد التي أعلنت مشاركتها في الأيام الأولى لحادثة الاختفاء، ثم عادت وأعلنت مقاطعتها".
ولفت عبد الهادي إلى أن "العقدة الكبرى في الحسابات السعودية تمثلت في تصورها بأن على جميع الأطراف بلع الأمر الواقع، مهما كان طعم المرارة في حلوقهم، لكن ما جرى هو "سم"، وليس "مرارة" ومن الصعب بلعه والتهامه، بل يجب لفظه واستفراغه" على حد قوله.
من جهته، رأى الداعية والباحث الإسلامي العراقي، فاروق الظفيري أن "الناظر إلى حيثيات جريمة مقتل خاشقجي، وكيف توجه العالم لها باهتمام غير طبيعي يعلم علم اليقين أن الأمر ليس عبثيا، ولم يكن لبيان شناعة الجريمة فقط".
وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لقد حصلت المئات من الجرائم والتي هي أشنع من جريمة خاشقجي، لكنها لم تحظ بأي اهتمام يذكر من قبل أمريكا والغرب، ما يشي بوضوح أنهم يكيلون بمكيالين، وأن تضخيم الأمر مقصود لكثير من دول العالم، كي تستثمر كل دولة هذه الجريمة لصالحها".
وأشار الظفيري إلى أن "تضخيم هذه الجريمة إنما هو بالدرجة الأولى لابتزاز آل سعود من جهة، ولمحاولة إيجاد قطعية بين السعودية وتركيا، أكبر قوتين إسلاميتين من جهة أخرى".
ومع استنكاره لجريمة مقتل خاشقجي حذر الظفيري من "التركيز على أخطاء السعودية في هذه المرحلة، خوفا مما قد يحل ببلاد الحرمين الشريفين من فوضى ودمار، لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة وعلى رأسهم إيران" بحسب عبارته.
بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي المصري، عمرو عبد المنعم: "الاستغلال السياسي لواقعة اغتيال خاشقجي ظاهر وواضح لأهداف سياسية ومالية، سواء من أمريكا أو بعض الأطراف الإقليمية، وهو ما يجعل الحادثة تتجاوز جريمة اغتيال إلى ما هو أبعد من ذلك".
وإجابة على سؤال "عربي21" حول تداعيات حادثة الاغتيال على الرياض واستقرار الحكم فيها لفت عبد المنعم إلى أنه "حدثت وقائع قتل من قبل لمعارضين في العالم العربي، سواء في ليبيا أو مصر أو العراق أو دول الخليج العربي، وكانت تداعياتها لا تتعدى جريمة رأي"، لكنه استدرك بالقول "من الواضح أن هذه الجريمة ستؤثر كثيرا على البيت السعودي الداخلي والقرار السعودي فيما بعد".
وتوقع الكاتب والباحث المصري الإفراج عن بعض المعتقلين من العلماء والدعاة، وإيجاد انفراج سياسي حيال التعامل مع قضايا الرأي، مستبعدا أي تأثير سياسي لحظي فوري في الوقت الحالي لأسباب واعتبارات مختلفة.
من جانبه، قال المعارض السعودي، والناشط الحقوقي يحيى العسيري "جريمة اغتيال جمال خاشقجي يجب أن لا تمر هكذا، هناك إجماع شبه عالمي على استنكار هذه الجريمة التي طالت اليوم خاشقجي، لكننا لا نعلم من ستطال غدا".
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "لا أحد في مأمن من عبث وهوج السلطات السعودية الحالية، والتي لا تملك من القيم والخبرة أي شيء، فاليوم اعتدت على مواطن سعودي، وغدا ربما تعتدي على مواطنين وشخصيات ورموز من جنسيات أخرى".
وأشار في ختام حديثه إلى أنه "يكاد يجزم بأن محمد بن سلمان لن يستطيع البقاء في السلطة، وإذا أصر الملك سلمان على الإبقاء عليه في السلطة فهذا سيؤدي إلى انهيار النظام بشكل كامل" متمنيا أن تكون التداعيات التي ستحصل لمصلحة الشعب السعودي وليس خلاف ذلك.
منال الشريف تكشف محاولة سعود القحطاني استدراجها مثل خاشقجي
ناشطون: ابن سلمان قاتل خاشقجي.. وتغريدة القحطاني "دليل"
معارض سعودي تعليقا على استدراج خاشقجي: هذا ما حصل معي