حدد اتفاق سوتشي الخامس عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي موعدا أقصى "لإزالة كافة الجماعات الإرهابية المتطرفة من المنطقة منزوعة السلاح"، التي سيتم إنشاؤها بعمق يتراوح بين 15-20 كم في عمق منطقة التصعيد، بحسب البند الثالث من الاتفاق.
وكان الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وقعا الاتفاق الروسي التركي خلال قمتهما المنعقدة في سوتشي، في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، بخصوص إدلب.
ونصت بنود الاتفاق العشرة على اتفاق الطرفين على إخراج الجماعات الإرهابية المتطرفة، وسحب السلاح الثقيل من كافة الأطراف في المنطقة منزوعة السلاح قبل العاشر من الشهر الحالي.
ووفقا لمراقبين، فإن الاتفاق يضع تنظيمات وجماعات السلفية الجهادية المتواجدة على الساحة السورية أمام تحديات البقاء أو التكيف مع المعطيات الجديدة، والتي تشكل خطرا حقيقيا على "مشروعها الجهادي".
من جهته، لفت المحلل السياسي السوري، عبد العزيز العجيني، إلى أن "تنظيمات السلفية الجهادية تنظر إلى اتفاق سوتشي بعين الريبة والقلق؛ لأنه يهدد مشروعها الجهادي بعد أن عملت لسنوات على توطيده في غمرة الحرب السورية".
وأضاف لـ"عربي21": "فهذه التنظيمات تعرف أن الأتراك التزموا دوليا بتفكيكها، وهذا ما يقلقهم؛ إذ إن تركيا وقطر لعبتا دور العراب لهذه التنظيمات، وهذا هو الإشكال الأكبر بالنسبة لها".
وتابع: "إن أخطر ما في هذا الاتفاق بالنسبة لهذه التنظيمات تماهيه مع الرغبة الشعبية في التخلص منها، التي جلبت الويلات للشعب السوري، لذا فإن هذه التنظيمات تجد نفسها اليوم محاصرة من حاضنتها الشعبية، ومن القرارات الدولية، وتشعر بقرب تفكيكها وإنهاء مشروعها".
وأردف المحلل السياسي العجيني قائلا: "يأتي هذا الاتفاق في وقت تجد فيه تلك التنظيمات نفسها غير قادرة على حشد أي تضامن شعبي معها لرفض الاتفاق، بعد أن تعب الناس من الحرب، وانكشفت فيه ألاعيب هذه التنظيمات"، على حد قوله.
وعن مصير تلك التنظيمات بعد اتفاق سوتشي، قال العجيني: "أعتقد أن مصير هذه التنظيمات بهيكليتها الحالية ستنتهي قريبا، ولكن لن تنتهي كفكر وكأشخاص، حيث سيتم إعادة تدوير بعضها لتكون جزءا من المرحلة المقبلة لتحقيق مصالح بعض الدول الإقليمية، وسيتم الزج بشخصيات تمثل هذه التنظيمات في الكيانات السياسية الناشئة لتضمن لها موطئ قدم في المرحلة القادمة، وهذا ما يجري بالفعل على الأرض".
وأشار العجيني إلى أن "الشمال السوري يشهد هذه الأيام حراكا سياسيا، يتمثل بإنشاء تشكيلات جديدة يتسلل إليها بعض عرابي هذه التنظيمات من مثقفين وسياسيين، في محاولة منهم لمنع ذوبان مشروعهم بشكل كامل، ويضمن لها دورا سياسيا في المرحلة القادمة بعد انتهاء دوره العسكري، وهو ما يتلاقى مع أهداف بعض الأطراف الإقليمية في المحافظة على تلك التنظيمات بشكلها السياسي على الأقل لضمان مصالحها، ولتكون ورقة مساومات في المفاوضات السياسية".
بدوره، رأى القيادي السابق في "جبهة النصرة"، صاحب حساب "أس الصراع في الشام" على تويتر، صالح الحموي، أن "الاتفاق لن يؤثر على "هيئة تحرير الشام"، لأنها خرجت عمليا من منظومة السلفية الجهادية، وتتماهى مع الأحداث العسكرية والسياسية الجارية".
وأردف قائلا: "فقد أدخلت الجيش التركي الذي كانت تعتبره جيشا كافرا يتبع لحلف الناتو، ووفرت الحماية لأرتاله، ورفعت علم الثورة الذي كانت تعتبره علم الانتداب الفرنسي من قبل، والآن أخرجت السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح، وألغت كل مظاهر وجودها في تلك المنطقة".
وإجابة عن سؤال "عربي21" حول موقف التيار المتشدد داخل الهيئة من الاتفاق، أوضح الحموي أن "المعترضين من الهيئة هم أعداد قليلة من المصريين، جرى اعتقالهم بتهم الغلو والانتماء لتنظيم الدولة، مثل أبو أنس المصري وغيره".
وأوضح الحموي أن تنظيمات السلفية الجهادية الأخرى كجماعة "حراس الدين"، الذي أعلن رفضه للاتفاق، "ما زالت محافظة على المنهج السلفي الجهادي، وترفض الاتفاق باعتباره تنازلا عن الثورة"، مضيفا: "لكنهم ضعفاء، ولا يمتلكون سلاحا ثقيلا، ولهم ثماني نقاط فقط في الغاب وجسر الشغور، من أصل 480 نقطة رباط، ولا ندري كيف ستتعامل تركيا معهم، لكن لغاية تاريخه لا توجد بوادر مواجهة".
من جانبه، قال الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية: "كما كان متوقعا، فإن هيئة تحرير الشام أعادت تكييف وجودها مع المعطيات الجديدة التي فرضها اتفاق سوتشي على الأرض، فهي بسلوكها البراغماتي غالبا ما تستجيب للضغوط الإقليمية، وإن جاءت استجابتها في كل مرة متأخرة ".
وأوضح أبو هنية لـ"عربي21" أن هيئة تحرير الشام، بسبب تركيبتها الداخلية غير المتجانسة، واتساع صفوفها لأجنحة معتدلة وأخرى متشددة ومتطرفة، كان من الطبيعي أن يظهر من داخلها من يعارض الاتفاق، والذي قوبل من قيادة الهيئة بالحملات الأمينة، والاعتقالات لإسكات تلك الأصوات الرافضة.
وتوقع أبو هنية في ختام حديثه أنه لا مفر من وقوع معركة إدلب مستقبلا، التي نجح اتفاق سوتشي في نزع فتيلها مؤقتا، معللا ذلك بأن النظام يسعى من جهته لبسط هيمنته على كامل التراب السوري بما فيه إدلب، كما تسعى تلك التنظيمات الراديكالية الرافضة للاتفاق من جهتها لإفشاله وعدم الالتزام ببنوده.
اتفاق سوتشي.. من الفائز ومن الخاسر؟
هكذا تفاعل السوريون مع الإعلان التركي الروسي حول إدلب
هل تستهدف روسيا المواقع التي سلمتها الأمم المتحدة بإدلب؟