نشرت "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب مارتين وولف، يناقش فيه سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الصين.
ويبدأ وولف مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالإشارة إلى تغريدة ترامب، التي قال فيها: "عندما تخسر بلد ما (أمريكا) مليارات الدولارات في التجارة مع كل بلد تتاجر معه تقريبا، فإن ذلك يعني أن الحروب التجارية جيدة وسهلة الكسب".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذه التغريدة، التي نشرها ترامب في 2 آذار/ مارس، وضعت الأهداف والوسائل لسياسات ترامب، وما يبدو أنه انتصار في كندا والمكسيك وتوقيع اتفاقية تجارة جديدة سيقنعه بأنه محق، لكن الصين ليست المكسيك".
ويشير وولف إلى أن "الرئيس الأمريكي يعتقد أنه إن باعت دولة لشريك تجاري بضائع أكثر مما تشتري منه، فإنها تكون قد(انتصرت)، كما يعتقد أنه إن اشترت دولة من شريك تجاري بضائع أكثر مما تبيعه، فإنها تستطيع (الانتصار) في حرب حماية السوق؛ لأنه يمكن للجانب الآخر خسارة المزيد، وهاتان القناعتان -ثنائية المركنتيلية والتوازن غير المتماثل للألم- هما دليله، وسياسته هي أن يستخدم الأسلوب الذي (تخسر) فيه أمريكا لضمان الانتصار، ولأن أمريكا هي الدولة الأقوى في أي علاقة ثنائية، فإنها يجب أن تنتصر".
ويستدرك الكاتب بأن "المتخصصين الاقتصاديين الجادين، من أيام آدم سميث، سيصرون على أن السعي لتحقيق فائض تجاري مع كل شريك تجاري لا يعني (الانتصار)، والفكرة سخيفة، وهي ليست حتى ميركنتيلية ذكية، التي تركز على الموازنة بشكل عام، لكن بالذات مع التدفق الحر لرؤوس الأموال، فإن تحقيق التوازن العام هو هدف أحمق، وهو هدف لا يمكن للسياسة التجارية أن تحققه، ومما لا يصدق أن تحكم مثل هذه الفكرة البدائية أكثر بلد تقدما في العالم".
ويقول وولف: "لو وضعنا منطقية هذا الأمر جانبا، هل الانتصار في المعارك التجارية لقوة عظمى سهل ضد دول تتمع بفائض تجاري كبير؟ والجواب على هذا هو (نعم ولا)، فصادرات المكسيك لأمريكا شكلت 28% من إجمالي الناتج المحلي لعام 2017، في الوقت الذي كانت فيه تلك النسبة لكندا هي 19%، وشكلت صادرات أمريكا للمكسيك 1.3% فقط، وصادرات أمريكا لكندا 1.5%، فعندما تكون البلدان تعتمد بشكل غير متوازن، مثل كندا والمكسيك، فإنه يمكن تحقيق نوع من الانتصار. وفي مفاوضات ثنائية، كان يمكن لأمريكا أن تحصل على الكثير مما أرادت، (مع أنه لا يبدو أنها حصلت على كل شيء أرادته)".
ويبين الكاتب أن "الصين قصة أخرى، فهي تصدر لأمريكا قسطا أكبر من إجمالي ناتجها المحلي مما تستورده من أمريكا، الذي شكل عام 2017 نسبة 0.7%، وشكل الفائض التجاري الصيني 3.1% من إجمالي ناتجها المحلي، وهو أقل بكثير من نسبة 10.2% عام 2006، وتخيل إن فرضت أمريكا تعرفة عالية على صادراتها كلها، فقد يعتقد الشخص أن ذلك سيخفض من إجمالي الناتج المحلي الصيني بنسبة 4.1%، لكن ذلك غير صحيح، حيث ستتراجع أيضا الصادرات الأمريكية إلى الصين، عندما تبدأ آثار الرد الصيني في الظهور، بالإضافة إلى أن ثلث قيمة الواردات الصينية هي مستوردة، كما أنه يمكن للصين بيع بضاعتها في أماكن أخرى".
ويلفت وولف إلى أن "التراجع في إجمالي الناتج المحلي الصيني في مثل هذه الحرب لن يزيد على 2%، باعتبار بقاء بقية الحسابات كما هي، وهذا ما يعادل نمو أربعة أشهر، بالإضافة إلى أنه لن يكون من الصعب على الصين معادلة هذا التناقص على الطلب، كما أن الميزان التجاري الأمريكي العام لن يتغير؛ لأن ذلك يحكمه العرض والطلب المحليان".
ويجد الكاتب أنه "في الوقت الذي تفضل فيه بكين صفقة، إلا أنها لن تدفع ثمنا غاليا، ويتم تعليم الصينيين جميعا عن (قرن الإهانة)، ويحظى الرئيس شي جين بينغ بشعبية محلية كبيرة، لكن حتى هو لن ينجو إن هو تذلل أمام بلطجي متسلط".
ويرى وولف أن "ترامب وقع في خطأين الأول: هو أن الصين لا تستطيع تحقيق ميزان تجاري متساو بين البلدين؛ لأنها لا تسطيع أن تفرض على الشعب شراء بضائع لا يريدونها، والمسألة بالنسبة للتجارة الأمريكية مع الصين هي ليست أن وارداتها من الصين عالية: فبالنسبة لمجمل الناتج المحلي هي شبيهة بواردات الاتحاد الأوروبي، والفرق هو تدني مستوى صادراتها، وهو ما يعكس قلة في القدرة التنافسية، وأخيرا، لن تتخلى الصين عن أمل التطور التكنولوجي.. وهو ما لن تتخلى عنه أي قوة".
وينوه الكاتب إلى أن "الخطأ الثاني هو أنه بالغ في تقديره أمريكا، ففي مجالات أخرى من السياسات التجارية يمكن التوصل إلى صفقات، ويمكن للمرء أن يتخيل أن تغير الصين سياستها تجاه الملكية الفكرية وتستثني الشركات الأمريكية، وقد يتخيل المرء صفقة تتوقف الصين بموجبها عن تطوير مكانتها بصفتها دولة مقابل أن تعامل بمعايير اقتصاد السوق، لكن لتحقيق هذه النتائج يحتاج ترامب إلى حلفاء، خاصة من الاتحاد الأوروبي واليابان، اللذين يكرههما، ربما لأنهما ليسا ديكتاتوريين، لكن ليس واضحا أنه يريد مثل هذه الصفقات: فلو كانت هناك حماية أفضل للملكية الفكرية، ستستثمر المزيد من الشركات الأمريكية في الصين، لكن يبدو ذلك خلاف ما يريده".
ويقول وولف: "قد يفاجئنا ترامب بإعلانه عن أكبر صفقة تجارية في التاريخ، التي قد لا يكسب منها إلا القليل، لكن لنفترض أن الصراع احتدم أكثر، وانتهى بفرض تعرفة ثنائية، فمن سينتصر؟ الجواب العام هو لا أحد؛ ستتعطل التجارة، وتدمر القواعد التي تحكم النظام التجاري، وتتضرر العلاقات بين أمريكا والصين، ويصبح العالم محفوفا بالمزيد من المخاطر".
ويتساءل الكاتب: "أي طرف سيخسر المزيد؟ من الصعب تحديد ذلك؛ لأن لا أحد يعلم ماذا سيحصل، أحد الاحتمالات، التي حللها البنك المركزي الأوروبي، هو أن يصبح الصراع عالميا، وحتى إدارة ترامب قد تدرك أن التحويل التجاري يعمل ضدها: فلو توقفوا عن الاستيراد من الصين والحصول على بدائل من فيتنام مثلا، فلو ذهبوا مثلا لتعرفة بنسبة 10% على البضائع جميعها، فستفرض بقية العالم تعرفة بقيمة 10% على البضائع الأمريكية، ففي هذه الحالة، يقول البنك المركزي الأوروبي إن أمريكا تخسر على المدى القصير والصين تكسب، ففي الحروب التجارية تكون خسارة الاقتصاد الأكبر أقل؛، لأن التجارة التي يخسرها هي أقل أهمية له، وبقية اقتصاد العالم أكبر من الاقتصاد الأمريكي بثلاث مرات".
ويختم وولف مقاله بالقول إنه "يمكن لأمريكا أن تحصل على صفقة بخصوص الملكية الفكرية وتحرير السوق مع الصين، لكنها لن تستطيع الحصول على صفقة تتم فيها معادلة الميزان التجاري الثنائي، أو وقف تطوير الاقتصاد الصيني، إلا أنه يمكنها الحصول على مثل هذه الصفقة بالتعاون مع حلفائها، وإن أصرت أمريكا على الاستمرار في هذه الثنائية الصرفة، فلن تنتصر، لكنها ستتسبب بالضرر لنفسها وللتجارة والاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، الحروب الاقتصادية ليست جيدة، وليست سهلة الكسب مع الدول العظمى".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
فورين بوليسي: لماذا تراجعت مكانة أمريكا في عهد ترامب؟
واشنطن بوست: أمريكا تتخلى عن دورها ولن تكون عظيمة
صندي تايمز: هذه الرسائل التي تبعث بها مناورات روسيا