نشرت وسائل الإعلام قبل أيام؛ مقطع فيديو يظهر فيه لقاء وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى الرغم من قصر مدته، أثار
دفء اللقاء الذي تكلل بالمصافحة والمعانقة والقبلات؛ ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يكن اللقاء مجرد صدفة، بل كان مرتبا لإرسال رسائل إلى أطراف معنية بالملف السوري. وقال الوزير البحريني في تعليقه على اللقاء، إنه لم يكن الأول، ولكن هذه المرة كانت هناك كاميرات تصوِّره. وهذا اعتراف من آل خليفة بأنه سبق أن التقى مع مسؤولي النظام السوري أكثر من مرة قبل لقاء نيويورك، وأن هذا اللقاء الأخير أريد به أن يصل إلى وسائل الإعلام والرأي العام.
لم يكن اللقاء مجرد صدفة، بل كان مرتبا لإرسال رسائل إلى أطراف معنية بالملف السوري
وزير الخارجية البحريني في هذا اللقاء، لم يكن يمثل البحرين فحسب، بل كان "رسول دول الحصار"، إن صح التعبير، ليمثل موقفا موحدا للدول العربية الأربع التي قطعت كافة علاقاتها مع الدوحة. ولم يقم آل خليفة بهذا الدور لأول مرة، بل كان هو من حمل رسالة تلك الدول إلى أنقرة في يونيو / حزيران 2017.
لقاء آل خليفة والمعلم،
كان صادما للمتعاطفين مع الثورة السورية، إلا أنه منسجم تماما مع موقف دول الثورة المضادة من الربيع العربي والأنظمة الدكتاتورية. ولم يكن دعم القاهرة للنظام السوري خافيا على أحد، كما أن الإمارات التي تستضيف أسرة الأسد تمارس في
سوريا ذات السياسة التي تتبناها في اليمن، وهي الوقوف إلى جانب المعارضة واختراق صفوفها لتدميرها من الداخل. وأما مملكة البحرين فسياسة خارجيتها تابعة إلى سياسة خارجية الرياض إلى حد كبير.
الوزير البحريني قال إن "الحكومة السورية حكومة سوريا وهي الحاكم في سوريا". وأضاف: "نحن نعمل مع الدول وإن اختلفنا معها، ولا نعمل مع من يسقط تلك الدول". وذكر أن الدولة، في إشارة إلى النظام السوري، يجب أن تسيطر على كل أنحاء البلاد.
لم يكن دعم القاهرة للنظام السوري خافيا على أحد، كما أن الإمارات التي تستضيف أسرة الأسد تمارس في سوريا ذات السياسة التي تتبناها في اليمن، وهي الوقوف إلى جانب المعارضة واختراق صفوفها لتدميرها من الداخل
تصريحات آل خليفة هذه دعوة موجهة إلى قوات النظام السوري لتقوم بتدمير محافظة إدلب، وتهاجم مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي قام الجيش التركي بتطهيرها من الإرهابيين؛ بمشاركة فصائل الثورة السورية، كما أنها تأييد صريح لنظام الأسد ضد
تركيا وفصائل الثورة السورية.
القوى الدولية والإقليمية المنزعجة من
اتفاقية سوتشي التي جنبت محافظة إدلب كارثة إنسانية؛ تسعى إلى إفشال الاتفاقية، كما أن الدول العربية الأربع تشعر بأنها مغيبة في الملف السوري، وتحاول أن تختطف فيه دورا عبر بوابة التقارب مع بشار الأسد والاعتراف بشرعية نظامه الدموي. ولذلك، يتوقع أن نسمع كثيرا في المرحلة المقبلة عبارات من قبيل "ضرورة استعادة الدور العربي في الأزمة السورية"، لتوظيف ورقة القومية العربية في سبيل مواجهة الدور التركي الداعم لثورة الشعب السوري وتطلعاته، كما يمكن أن نرى عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية في المستقبل القريب.
يتوقع أن نسمع كثيرا في المرحلة المقبلة عبارات من قبيل "ضرورة استعادة الدور العربي في الأزمة السورية"، لتوظيف ورقة القومية العربية في سبيل مواجهة الدور التركي
وسائل الإعلام التركية سبق أن تحدثت أكثر من مرة عن دعم الرياض لوحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني في الشمال السوري، والجهود التي تبذلها المخابرات
السعودية لإقناع العشائر العربية بالتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي وتشكل عمودها الفقري. ومن المؤكد أن دعم الدول العربية الأربع للنظام السوري سيعزز احتمال اصطدام تلك الدول مع تركيا في الشمال السوري، ولو عبر الحرب بالوكالة.
دول الخليج سبق أن حاولت أن تبعد النظام السوري عن طهران، ولكن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح، كما فشلت جهود تلك الدول في استخدام الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر ضد إيران. وبالتالي، هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها، مثل: "هل يمكن أن يضحي النظام السوري بعلاقاته مع إيران وروسيا من أجل التقارب مع الرياض وأبو ظبي؟"، و"كيف يكون رد طهران وموسكو على خطوة كهذه؟".