لم تمض سوى أيام قليلة على شهادة الصحفي بوب وودوارد الذي نقل محادثة بين ترامب ومحاميه، والذي وصف فيها
السيسي بأنه قاتل، مضيفا إلى الوصف سبة بذيئة، إلا أن الرجلين تقابلا بحميمية كبيرة فاحت رائحة النفاق منها. فترامب الذي وصف الحديث مع السيسي بأنه يصيبه بالغثيان؛ وصفه بعد اللقاء بأنه لقاء مثمر مع شريك مهم، ووعد بمزيد من التعاون في مجالات شتى.
لقاء ترامب السيسي تزامن مع
انتهاكات نظام الأخير المستمرة بحق الناشطين والمعارضين، والتي كان آخرها الحكم على الناشطة أمل فتحي بالسجن لسنتين بتهمة نشر أخبار كاذبة، بعد نشرها فيديو على فيسبوك اشتكت فيه من تعرضها للتحرش في ظل عدم اكتراث السلطات للجريمة، ولم تبخل السلطات القضائية باتهامها بالاشتراك في جماعة إرهابية محظورة.
في الديمقراطيات التي يحكمها القانون، مرتكبو الجرائم هم الذين يحاكمون، أما في
مصر فالمتهمون بالقتل يكرمون ويستقبلون من رئيس أكبر دولة في العالم، مع إطراء سخيف يغلفه النفاق.
في مصر.. الناجون من المجزرة هم من يحاكمون بل ويحكم عليهم بالإعدام.
في الديمقراطيات التي يحكمها القانون، تكون المحاكمات عادلة وسريعة، أما في مصر فيمكن أن يحتجز المتهم لخمس سنوات قبل المحاكمة ثم لا تثبت إدانته، لكن العمر لا يساوي عند هذه الأنظمة كثيرا، طالما أن هناك من يغض الطرف عن إهدار أعمار البشر، على الرغم من تصدر
حقوق الإنسان أولى مواد دستور ذلك البلد.
في مصر لا عجب أن تحكم المحكمة في جلسة واحدة على 20 متهماً بالإعدام في قضية، وفي أخرى على 75 متهماً آخرين.
لا عجب أن تستقبل الولايات، رافعة راية حرية الصحافة، رئيس دولة يعتقل الصحفيين وينكل بهم ويوقع بهم على أقل هفوات بل يوقع بهم لمجرد أنهم يمارسون عملهم، ولم يسلم من ذلك معارض كان أو مؤيد سابق، فمن الصحفي الكبير مجدي أحمد حسين إلى سليمان الحكيم؛ الذي هدم النظام بيته كإنذار حتى لا يتخطى حدود ما رسمها النظام له.
ولا عجب أن يستخدم ذلك النظام واحدة من آليات الديمقراطية لدهس حقوق الإنسان؛ بتحصين الضباط القتلة الذين ينفذون عمليات الاغتيال ضد المعارضين، سواء في مجازر مجمعة كمجزرة الحرس الجمهوري أو المنصة أو رابعة أو رمسيس أو القائد إبراهيم وغيرها، أو في عمليات اغتيالات فردية بعد الإخفاء القسري والقتل خارج القانون بالتصفية بعد التعذيب.
لكن العجيب هو تلك المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع من تراهم حلفاء لترسيخ الدكتاتورية؛ في بلاد سعى شعبها للديمقراطية وقدموا دماءهم من أجلها، وقد يزيل ذلك العجب أن من يتصدر المشهد في السياسة الأمريكية رجل اتهم في أكثر من قضية تحرش بموظفات عملن معه في أعماله الخاصة أو بعد دخوله ساحة العمل العام.
إن اجتماع السيسي وترامب، وتلك الحفاوة التي قابل بها ترامب السيسي وتعويله عليه في ملفات كبيرة في المنطقة، مثل أمن المنطقة ومحاربة الإرهاب والقضية الفلسطينية واعتباره حليفا لا يمكن الاستغناء عنه، إنما هو تحالف هدم المبادئ والقيم، فلا ضير أن يشترك الرجلان في اغتصاب المبادئ الإنسانية، وما رسخته البشرية من حقوق لصون كرامتها من أجل نزوات صاحب البيت الأبيض.