كشف
سبر آراء قامت به مؤخرا مؤسسة "إمرود كونسلتينغ"، بالتعاون مع جريدة الصباح بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 2018، أن حركة
النهضة تتصدر نوايا التصويت للانتخابات التشريعية القادمة التي ستجري خلال السنة القادمة في ما يتعلق بالأحزاب السياسية. إذ حصلت النهضة على 13.7 في المئة من نوايا تصويت المستجوبين، مقابل 11.8 في المئة لحركة نداء
تونس. وقد جاءت النتائج لتعكس الواقع الراهن، حيث تعتبر حركة النهضة الحزب الأول في البلاد بعد أن تراجع شريكها في الحكم (نداء تونس الذي فقد عددا هاما من أعضائه في البرلمان، والذين أعلنوا استقالتهم والتحاقهم بالكتلة البرلمانية الداعمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد. إضافة إلى الخسارة التي مني بها هذا الحزب خلال
الانتخابات البلدية التي نظمت قبل أشهر، والتي كشفت عن وجود اختلالات في صفوفه مما جعله يأتي بالمرتبة الثالثة بعد حزب النهضة والقائمات المستقلة).
لكن النتيجة الأهم والأخطر التي كشفها هذا
الاستطلاع؛ أن 67.9 في المئة من المستجوبين أكدوا بأنهم لا يعلمون لمن سيُصوتون في حال إجراء الانتخابات الآن، وعبّر 3.3 في المئة عن نيتهم التصويت لفائدة حزب التيار الديمقراطي، فيما حصلت الجبهة الشعبية على 1.5 في المئة من نوايا التصويت، ليحتل فيما بعد حزب "آفاق تونس" أسفل الترتيب بـ1.1 في المئة.
وتكشف هذه النسب عن حالة التردد والقلق التي يعاني منها التونسيون الذين تراجع حماسهم كثيرا للاختيار الديمقراطي، وأصبحوا أكثر عزوفا عن المشاركة في التصويت بسبب تراكم خيبات الأمل وتصاعد أزمة الثقة في السياسيين.
أما معهد "3 سي"، فقد أجرى بدوره استطلاعا للرأي كشف عن نتائج شبيهة بسبر الآراء السابق، وأكد تراجع شعبية "النداء" ورئيسه المؤسس الباجي قايد السبسي، مقابل ارتفاع شعبية حركة النهضة وشخص المنصف المرزوقي الذي يسعى لاسترجاع مكانته السياسية، رغم انهيار حزبه الذي شهد مؤخرا
استقالة عدد واسع من كوادره.
من خلال ما تقدم يمكن تقديم الملاحظات الثلاث التالية:
أولا: يشكل التراجع الملحوظ والكبير لشعبية رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي هزة قوية للوضع السياسي الراهن بالبلاد. فنسبة الرضى عن أدائه نزلت إلى 18 في المئة، مقابل 22.5 في المئة في شهر تموز/ يوليو الماضي، أي قبل شهرين فقط. وتعتبر هذه أدنى نسبة رضى يحصل السبسي منذ توليه لمهامه كرئيس للدولة منذ انتخابات 201،. وذلك في الوقت الذي استقرت فيه نسبة الرضى عن أداء رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حدود 33 في المئة. وبما أن السبسي يعتبر من الناحية الرمزية الشخصية الأقوى في البلاد، رغم تراجع صلاحيات الرئيس مقابل صلاحيات رئيس الحكومة، فإن تراجع ثقة التونسيين في شخصه سيكون لها تداعيات سلبية على المناخ العام خلال الفترة المتبقية من عهدته الرئاسية.
ثانيا: عندما تتصدر حركة النهضة المشهد العام، فلذلك بعدان متناقضان: في البعد الأول يتأكد بأن الإسلاميين يشكلون القوة الضاربة في البلاد مقابل خارطة حزبية ضعيفة ومفككة، وبعض أجزائها اندثر والتحق بالتاريخ. وهذا الواقع من شأنه أن يشعر أنصار النهضة وكوادرها بالقوة الضاربة. لكن البعد الثاني يجعل من المؤشرات السابقة أخطارا محدقة بالنهضة وبمستقبلها السياسي؛ لأنه من غير المسموح لها بأن تنفرد بقيادة البلاد في مرحلة هشة ودقيقة ومتقلبة. فالنهضة ليست من مصلحتها أن تتهاوى
الأحزاب حولها بهذه السرعة، وهي في أشد الحاجة إلى وجود حزب قوي نسبيا يمكن أن تستند عليه لتحمي ذاتها داخل كيان الدولة والسلطة، وبذلك تستطيع أن تمرر وجودها داخليا وخارجيا.
ثالثا: يشكل تنامي ظاهرة العزوف عن الانتخابات تحديا ضخما ومعقدا لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس؛ لأن هذا العزوف يتضمن رسالة مخيفة موجهة من الجماهير إلى كل مكونات الطبقة السياسية، مفادها سحب الثقة منهم، واتهامهم بالعجز وعدم الكفاءة. وعندما ينسحب المواطنون من عالم السياسة، ويشككون في قدرات نخبهم السياسية والثقافية والمالية والإعلامية والدينية، فذلك يعني أن هؤلاء المواطنين قد دخلوا في مرحلة الانتظار.. انتظار "المنقذ المجهول". وقد كان محقا لطفي زيتون أحد كوادر حركة النهضة عندما قال: "في أقصى الحالات، إذا أوصل السياسيون البلاد إلى البيان رقم واحد، فيا خيبة المسعى وهم من يتحمّلون مسؤولية ذلك".