تشهد ليبيا مزيدا من الانقسام والجدل السياسي والقانوني، بعد إقرار مجموعة من نواب البرلمان الليبي لقانون الاستفتاء على الدستور، الخميس الماضي،في ظل صمت مريب لرئيس البرلمان عقيلة صالح، وتساؤلات مقلقة حول مصير إعلان باريس، والخطة الأممية لحل الأزمة الليبية.
وإقرار القانون جاء بشكل مفاجئ خلال جلسة طارئة واستثنائية، الخميس الماضي، دعت لها هيئة رئاسة مجلس النواب، عارض نتائجها نواب شرق البلاد الذين قالوا إنها "جلسة معدومة قانونا"، لأنها بحسب بيان مشترك لهم "حضرها فقط 30 نائبا من نواب غرب البلاد (من إجمالي 200)".
بيان "نواب برقة" لم يحدد عدد النواب المشاركين في إصداره، في حين يبين إعلان نتائج جلسة مجلس النواب خلال تصريح مصور للنائب إبراهيم الزغيد (حضر الجلسة رغم أنه من المنطقة الشرقية)، نشره الموقع الإلكتروني للبرلمان، أن "نواب برقة" ليسوا كلهم متفقين على ذلك البيان.
"الجدل حول قانونية جلسة مجلس النواب أو صحة الخطوة التي أنجزت خلالها سيحسمه رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، الذي لم يكن حاضرا في الجلسة السابقة"، بحسب المحلل السياسي الليبي علي الزليتني.
ويرى الزليتني، أن "قرار صالح بشأن الحسم في الأمر يسوده الغموض، ولا يمكن التكهن به، وذلك لتضارب موقف الرجل بشأن الدستور المنجز منذ أكثر من عام، وقانون الاستفتاء عليه".
وقدم مثالا على ذلك بقوله: "يُعرف صالح، بمعارضته لمسدوة الدستور المكتوب حديثا، ويرى أنه غير مرضٍ لكثير من الليبيين، لا سيما سكان شرق البلاد الذين تظاهروا رفضا له، والمكونات الاجتماعية (الأمازيغ والتبو) الذين انسحب ممثلوهم من لجنة صياغته".
مثال آخر أعطاه الزليتني لإبراز معارضة صالح للدستور، يتمثل في أن "خليفة حفتر (قائد القوات الليبية المدعومة من البرلمان) كشف في آخر لقاء جمعة بوجهاء وزعماء القبائل الليبية قبل أسبوع، أن صالح وعده بمنع تمرير أو على الأقل السعي في تعديل الدستور غير النافع".
وفي مقابل ذلك، "يمكن أيضا القول إن صالح، مع إجازة مشروع قانون الاستفتاء وليس ضده، لأنه دعا أكثر من مرة النواب لحضور جلسات لإقراره، بل ضغط على النواب بالتهديد بتفعيل القرار رقم 5 لعام 2014 في حالة فشل النواب في الحضور وتحقيق نصاب يسمح بعقد جلسة" كما يقول الزليتني.
والقرار رقم 5 ينص على انتخاب رئيس مؤقت للبلاد عن طريق التصويت الشعبي المباشر وبالغالبية المطلقة لأصوات المقترعين.
خطوه نحو الحل أم مجرد مناورة
وبعيدا عن موقف عقيلة صالح من مسودة الدستور، يرى آخرون أن إقرار قانون الاستفتاء لا يعني بالضرورة إجراء استفتاء بل هو مجرد مناورة فقط، ومن بين هؤلاء "رانا الصيد"، عضوة الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.
اقرأ أيضا: المشري: إخفاق التحضير للانتخابات يعرّض اتفاق باريس للفشل
"الصيد" أشارت إلى أن "إرجاء إحالة قانون الاستفتاء على مفوضية الانتخابات، إلى ما بعد تضمين المادة السادسة من القانون (تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية بدل واحدة) في الإعلان الدستوري (دستور مؤقت يحكم البلاد منذ 2011)، مماطلة من نوع آخر".
ويشرح بدر الغاوي، السياسي الليبي حديث "الصيد"، قائلا إن "النواب حاضري الجلسة الذين أقروا قانون الاستفتاء، أرجعوا إحالته لمفوضية الانتخابات لتضمين إحدى مواده للإعلان الدستوري، وهم يعلمون أن إجراء تعديل للإعلان الدستوري يتطلب بحسب القانون الداخلي للبرلمان أغلبية موصوفة (120 زائد واحد)".
وأكد "الغاوي" أن عقد جلسة بحضور 121 نائبا على الأقل، "لن يتمكن النواب من تحقيقه لا في الجلسة المقبلة التي تقرر إجراء التعديل خلالها، ولا في أي جلسة قادمة".
وأوضح الغاوي أن "إقرار قانون الاستفتاء جاء فقط استجابة للضغوطات الدولية التي تطالب النواب بإقرار القانون، وهم بذلك تجاوزوا تلك الضغوطات بإرضاء المجتمع الدولي بشكل ذكي".
مصير إعلان باريس
وفي ظل الجدل بشأن قانونية الجلسة التي تم فيها إقرار قانون الاستفتاء، تطرح عدة تساؤلات بشأن مستقبل إعلان باريس الموقع بين أبرز أطراف النزاع في أيار/ مايو الماضي.
ويتضمن إعلان باريس مرحلتين: الأولى اعتماد القوانين الانتخابية قبل 16 أيلول/ سبتمبر الجاري (الأحد الماضي)، والثانية تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
غير أن هذه التطورات جعلت عدة أطراف داخلية وخارجية تشكك في إمكانية الالتزام بخارطة الطريق التي وضعها إعلان باريس.
وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج في مقابلة مع صحيفة إيطالية، الأربعاء، إن "الأوضاع غير مستقرة لتنظيم انتخابات في 2018".
ويأتي موقف السراج بالتزامن مع اشتباكات في طرابلس، وهجوم دامٍ لتنظيم الدولة استهدف قبل أيام مقر مؤسسة النفط الحكومية في طرابلس.
موقف السراج الجديد يصب في نفس التوجه الإيطالي المعارض لإجراء الانتخابات قبيل نهاية 2018، إذ صرح وزير الخارجية إنزو موافيرو ميلانيزي قبل أيام، بقوله: "نحن على خلاف مع موقف الحكومة الفرنسية التي تقول إن الانتخابات في ليبيا يجب أن تعقد في 10 ديسمبر".
ويتقاطع موقف رئيس مفوضية الانتخابات الليبية عماد السائح، مع رأي السراج، وموقف إيطاليا، إذ يوضح في تصريحات له قبل أسبوعين أنه "في حالة إقرار مجلس النواب لقانون الاستفتاء على الدستور، فإن نتيجة الاستفتاء ستعلن أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، وبعدها ستمنح مدة 3 أشهر للسلطة التشريعية لإصدار التشريعات اللازمة، ثم تمنح مدة 8 أشهر أخرى للمفوضية العليا لاستكمال عملية الانتخابات".
أما على الطرف الآخر، فما زالت فرنسا على غرار المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة متمسكة بإجراء الانتخابات كما تم الإعلان عنه في باريس.
وفي هذا السياق، قالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أجنيس فون دير مول، للصحفيين مساء الخميس الماضي، إن "فرنسا ستواصل دعم جهود السلطات الليبية والأمم المتحدة، وشركائها لضمان استمرارية العملية السياسية، وخاصة إجراء الانتخابات بنهاية العام الجاري".
أما عن مجلس الأمن الدولي، فلم يحسم الجدل بشأن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، واكتفى بيانه الصادر الخميس بالقول إنه "يجب أن تكون في أقرب وقت ممكن".
اقرأ أيضا: النواب الليبي يقر الاستفتاء على الدستور ونواب يطعنون
وفي محاولة لكسب التأييد الأمريكي أو تحييده على الأقل، التقت السفيرة الفرنسية الجديدة لدى طرابلس بياترس دوهيلن، الجمعة الماضية، القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا دونالد بلوم، ووصفت السفارة الفرنسية اللقاء في تغريدة على تويتر بأنه "مثمر"، دون مزيد من التفاصيل.
عامل الزمن وعائق الأمن
وتعليقا على تلك التطورات، يرى فوزي التمامي أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، أن "عامل الزمن والتوترات الأمنية يجعلان من المستحيل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية 2018".
التمامي قال، إن "المتبقي على نهاية العام ثلاثة أشهر ونصف، وهي مدة غير كافية لإجراء استفتاء على الدستور فيها، ثم إجراء انتخابات".
ولفت إلى أن "التحضير وإدارة إجراء استفتاء على الدستور واعتماد نتائجه، يحتاج على الأقل لأكثر من 5 أشهر".
وتابع: "وإذا ما ذهبنا مباشرة إلى انتخابات وتجاهلنا إجراء استفتاء فإن ذلك يحتاج أيضا 5 أشهر، لأن قانون الانتخابات أصلا لم يصدر بعد، ويحتاج البرلمان لأشهر لإقراره والتوافق حوله".
أما عن العامل الأمني فيقول فوزي التمامي: "في شرق البلاد لا تزال هناك بعض المناطق في مدينة درنة تخضع لسيطرة مجلس شورى المجاهدين".
بينما في غرب البلاد، "هناك المعارك المسلحة بين المليشيات المتقاتلة على النفوذ، ناهيك عن تواجد داعش الذي أعلن عنه مؤخرا من خلال استهداف مقر مؤسسة النفط قبل أسبوع، واستهداف مفوضية الانتخابات في وقت سابق".
"ويأتي أيضا جنوب البلاد، وما يعانيه من انفلات أمني كبير جدا"، بحسب التمامي.
وعلى خلاف ذلك تماما، قال الصحفي الليبي محمود حبيب، إنه "يمكن تدارك الأمر وإجراء انتخابات في ليبيا قبل نهاية العام الجاري".
واعتبر أن "الأمر بيد المجتمع الدولي، فإن توافق، وخاصة فرنسا وإيطاليا، ووحد رؤيته، فستصبح كل تلك العوائق وكأنها لم تكن".
مطالبات ليبية برحيل مجلس الدولة والرئاسي والبرلمان.. لماذا؟
البصرة تفكك التحالفات وتضعف آمال العبادي بولاية ثانية
هل ينجح برلمان ليبيا في إقرار استفتاء أم يلجأ للانتخابات؟