يعاني عشرات المعتقلين السياسيين الذين تم إطلاق سراحهم مؤخرا، من صعوبة العودة إلى أعمالهم السابقة، سواء كانت حكومية أو خاصة، إلى جانب ما يعانيه البعض منهم من صعوبات في الحصول على عمل جديد في القطاع الخاص، حيث تلاحقهم صحيفة الحالة الجنائية التي يتوجب تقديمها مع كل طلب عمل.
أنس، (من ذوي الاحتياجات الخاصة) مؤهل متوسط (23) عاما، بعد اعتقال دام أكثر من 3 سنوات بتهم التظاهر، ومطالبته بدفع غرامة 50 ألف جنيه كي يتم إخلاء سبيله، قضى بسب عدم قدرة عائلته دفعها 6 أشهر حبس إضافية، خرج إلى النور وكله أمل أن يبدأ حياته من جديد باحثا عن فرصة عمل كباقي الشباب.
"تمنيت ألا خرجت من المعتقل"، كانت تلك كلمات أنس، بعد 3 أسابيع فقط من إطلاق سراحه، مبينا في حديثه لـ"عربي21"، سبب حزنه الشديد، قائلا: "كنت أظن عندما فتحت أمي ذراعيها لتضمني بعد غياب أن الدنيا فتحت لي أبوابها، ولكن الفرحة بلقاء الأهل ومغادرة المعتقل ومحاولة نسيان آلامي جميعها انتهت مع فشل محاولاتي للعمل ولكسب المال، خاصة أن أبي معتقل أيضا".
وأضاف: "ذهبت إلي مدينة (العبور) الصناعية بالقاهرة على مدار أسبوعين؛ للبحث عن مكان لي بأي عمل بأي مصنع، ولكن كان الرد: لا يوجد عمل، واحنا بنسرح العمالة، أو سيب ورقك وهنبعت لك"، مشيرا إلى أن الأزمة الحقيقية هي "طلب الشركات لصحيفة الحالة الجنائية (الفيش)، المدون بها سابقة 3 سنوات حبس، ما يعني عدم استطاعتي العمل بأي من الشركات".
وقال إن أهل منطقة سكني ينظرون لي باعتباري مسجونا إخوانيا سابقا، ورغم طلبي من أحد المقربين لأبي والمحبين للإخوان (مقاول) العمل معه، إلا أنه رفض خوفا من أن يتم تلفيق قضية بحقه، متسائلا: "هل أرجع السجن؟".
خالد، موظف بالأوقاف، (27) عاما، أفرج عنه منذ نحو 3 أشهر بعد اعتقال دام 3 أعوام، بتهمة التظاهر، ولم يتمكن من العودة إلى عمله حتى الآن، ويقول لـ"عربي21": "لا راتب ولا عمل في ظل مماطلة الجهات الإدارية، ولا توجد غير وعود أخشى ألا تتحقق"، مشيرا إلى أن الإدارة القانونية سمحت بعودته، إلا أن قرار التنفيذ بيد الجهات الأمنية، متوقعا نقله من مكان عمله السابق في حال عودته للعمل"، ومؤكدا أن محاولاته للعمل بالقطاع الخاص لم تنجح حتى الآن.
السيد، إمام وخطيب (40 عاما)، وبرغم أنه لم يتم الحكم عليه بأي قضايا سياسية أو جنائية وقضى نحو 5 أشهر معتقلا تم إخلاء سبيله بعدها، إلا أن وزارة الأوقاف مارست بحقه الضغوط، ومنعته حقوقه المادية.
الشيخ، قال لـ"عربي21": "رفضت مديرية الأوقاف بمحافظتي إعادتي للعمل لمدة 3 أشهر بعد إطلاق سراحي، ورغم أنني أعطيتهم ما يفيد بأنه لم يصدر بحقي أي أحكام قضائية، وأن الحبس كان للاشتباه وبسبب اعتقال أخي، إلا أنهم رفضوا إعادتي للعمل إلا بعد تقديم تنازل كامل عن جميع مستحقاتي المالية وراتبي خلال عام كامل، وبشرط ألا أصعد منبرا، حيث تم تحويلي إلى العمل الإداري".
محمد، (55 عاما)، أحد أشهر المعلمين بمنطقته، والذي تم اعتقاله ومعظم أفراد أسرته وخرج بعد نحو عامين من معتقله، محاولا استعادة طلابه ومدرسته ومكانته بالمجتمع.
يقول لـ"عربي21": "حاولت العودة لموقعي كمدرس أول لمادتي بمدرستي التي قضيت بها جل عملي، فكان التسويف ثم الرفض، وتحويلي للعمل الإداري، والمماطلة بإعادة راتبي وحقوقي المادية من الإدارة التعليمية التي أتبعها"، مشيرا إلى أنه حتى الطلاب لم يسمح لهم آباؤهم بأخذ الدروس الخصوصية عندي؛ خوفا من اعتقالهم.
فتحي، مدرس (56) عاما، لم يجد بدا من اتخاذ قرار تسوية معاشه، نظرا لما تعرض له من مضايقات أمنية دائمة بمقر عمله، وقال لـ"عربي21": "بمجرد خروجي من المعتقل واستلامي عملي على مضض من الجهات الإدارية، لم تتوقف قوات الأمن عن ملاحقتي بالمدرسة التي أعمل بها، فكان لزاما علي أن اتخذ هذا القرار"، مشيرا إلى أنه للأسف فإن معاشه لن يتعدى 1100 جنيه، وهو ما يعني ثلث راتبي تقريبا، متسائلا: "كيف نحيا كراما في وسط هذه المعاناة؟".
عمر، (40) عاما، مدرس لغة إنجليزية، قال لـ"عربي21": "تسبب أحد جيراني بحبسي وتلفيق تهمة لي بأنني من أعضاء الإخوان المسلمين، وتم الإفراج عني، ثم اعتقالي، وأخير وبعد إخلاء سبيلي. رفضت الإدارة التي أتبع لها إعادتي للعمل إلا بعد موافقتي على إحالتي للأعمال الإدارية، منهيا بذلك مدة عمل بالفصل الدراسي تقارب 17 عاما، وهذا يعني حرماني من مكافآت عدة".
صحفي كبير، ومرشح سابق لعضوية نقابة الصحفيين، بعد اعتقال دام نحو 3 سنوات ونصف، ورغم أنه تم إخلاء سبيله دون أي حكم إدانة بأي من التهم الموجهة له، إلا أن الصحيفة الخاصة التي يعمل بها رفضت إعادته للعمل.
وحكي لـ "عربي21" كيف أن طلبه بالعودة لموقعه بالصحيفة اليومية الشهيرة كان سببا في عودته للمعتقل لمدة 3 أشهر إضافية، وكيف أن وكيل النيابة أثناء التحقيق معه قال له نصا: "قضيتك مع رئيس التحرير"، داعيا إياه للتنازل عن حقوقه المادية والمالية بالجريدة لمدة 4 سنوات، والتوقيع على استقالة من الصحيفة، وعدم فتح هذا الموضوع عبر مواقع التواصل أو بأي جهة قضائية مقابل الإفراج عنه.
وأكد أنه برغم ما يعانيه من أزمات صحية مع متطلبات الحياة، لا يجد عملا في المهنة التي لا يعرف غيرها، ولا يجرؤ رئيس تحرير أو صحيفة على منحه هذه الفرصة، على الرغم مما لديه من خبرات.
منظمات حقوقية تدعو لاعتبار 14 أغسطس يوما عالميا لضحايا رابعة
"رايتس ووتش": 5 سنوات على "رابعة" ولم يحاكم أحد (فيديو)
5 سنوات على "مذبحة القرن".. هل فلت مرتكبوها بجريمتهم؟