كشفت الأحداث
الأمنية الأخيرة في
مصر عن تضارب البيانات والمعلومات بين الجهات الأمنية
المختلفة، ما شكل علامة استفهام بشأن ما يجري خلف الستار بين تلك الأجهزة المتمثلة في جهاز
المخابرات الحربية والرقابة الإدارية وجهاز المخابرات والشرطة أيضا وفق عدد من المراقبين والمحللين.
وأكد مصدر صحفي
لـ"
عربي21" مقرب من الأجهزة الأمنية التي تصدر مثل تلك البيانات أن هناك
تخبطا واضحا في تنازع الصلاحيات بشأن البيانات المتعلقة بالوضع الأمني سواء فيما
يتعلق بالعمليات العسكرية أو الأمنية، مشيرا إلى أن اليد العليا في هذا الصراع هي
لجهازي المخابرات الحربية، والرقابة الإدارية.
وكشف الهجوم على
كمين أمني للشرطة في العريش، السبت، عن تضارب البيانات بين جهازي الشرطة، والجيش،
إذ ذكرت رواية الجيش، التي تناقلتها وسائل الإعلام، أن قوات الشرطة أحبطت هجوما
على نقطة تفتيش أمنية غربي مدينة العريش وقتلت أربعة مسلحين بينما فر آخرون.
ولم يتضمن بيان
الجيش الذي جاء على لسان مصدر أمني "مجهل"، ولم ينشر على الصفحة الرسمية
للمتحدث العسكري، أي إشارة إلى سقوط ضحايا من قوات الأمن خلال الهجوم، وجاء فيه:
"نجحت قوات الشرطة في التصدي لمجموعة إرهابية استخدمت الأسلحة الثقيلة،
وأسفرت المواجهة عن مقتل 4 من العناصر الإرهابية، وفر الباقون".
تضارب الأخبار
لكن وزارة
الداخلية، أرسلت خبرا آخر لصحفيين، لم تنشره أيضا على صفحتها الرسمية على موقع
التواصل الاجتماعي فيس بوك، وأطلع عليه مراسل "عربي21"، أكدت فيه أن
الهجوم أسفر عن مقتل أربعة رجال الشرطة، وإصابة 10 آخرين.
وفي اليوم التالي،
الأحد، أعلنت وكالة أعماق للأنباء التابعة لتنظيم الدولة، مسؤولية التنظيم عن هجوم
مسلح على نقطة تفتيش للشرطة المصرية في محافظة شمال سيناء، وقالت إن 15 جنديا
سقطوا ما بين قتيل وجريح فيما وصفته بأنه هجوم "انغماسي"، وهو ما يؤكد
وجود اختلاف بين خبري الجيش والشرطة.
ونشرت صفحة
الداخلية المصرية، اليوم الاثنين، صورا لوزير الداخلية أثناء زيارته لمصابي هجوم
كمين بالعريش عند الكيلو 17 على الطريق الدولي الساحلي، الذين أصيبوا في الحادث،
في مستشفى الشرطة بمنطقة العجوزة بالقاهرة.
تنافس الأجهزة
وعلق رئيس لجنة
الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى السابق، رضا فهمي، بالقول إن "موضوع تضارب
الروايات له عدة أسباب، أولها وأهمها هو غياب دولة القانون؛ بمعنى أن كل جهة تحاول
أن تُصَدر للرأي العام بيان يحميها من المسؤولية القانونية، ويحقق مصالحها، ولو
كان على حساب الحقيقة".
وأضاف فهمي
لـ"
عربي21" أن "الأمر الآخر، مرتبط بشأن بسط الهيمنة من قبل أجهزة
على حساب أجهزة أخرى، وهذا رأيناه موجود منذ عقود، وعصور مختلفة سواء في الفترة
الناصرية وحتى الآن، وهو ما يطلق عليه تنازع الصلاحيات، على الرغم من الدستور واضح
في تحديد مهام كل جهاز"، مشيرا إلى أن "المسألة كلها أنه في كل فترة
يبرز جهاز أمني ويحاول أن يهيمن على باقي الأجهزة الأخرى، وقد برز جهاز المخابرات
الحربية في فترة السيسي على حساب باقي الأجهزة الأمنية".
ولفت إلى أن
"هناك بعدا مرتبطا بمسائل أخرى، فبعض الأجهزة الأمنية تستخدم جماعات العنف
لتوريط جهاز أخر، من أجل المكايدة، وتوريطه في بعض المشكلات التي تجعله تحت طائلة
التقصير والنقد طوال الوقت"، مشددا على أن "المخابرات الحربية تحاول أن
تظهر أن المخابرات العامة والشرطة أقل كفاءة، ولهذا نرى أن جهاز المخابرات يطمس
أحيانا ما يأتي على لسان الداخلية أو يفرغه من مضمونه كما حدث في البيان
الأخير".
التهرب من
المسؤولية
وأكد الصحفي
المتخصص في الشأن السيناوي، أبو الفاتح الأخرسي، يحمل العديد من الدلالات، قائلا:
"واضح أن بيانات الجيش والشرطة فيما يتعلق بالعمليات الأمنية بصفة عامة،
وبالوضع في سيناء بصفة خاصة تحتمل الكذب والتلفيق، واختلاق الحقائق".
وقال الأخرسي
لـ"
عربي21": "وفي الوقت نفسه، لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية بأن
تخرج هذه البيانات من خلال الصفحة الرسمية، سواء لوزاة الداخلية أو للقوات
المسلحة، النقطة الأخرى أن الجيش يعتمد على استراتيجية التعتيم في إصدار بياناته
منذ بداية الحملة العسكرية على سيناء؛ لإنه غير قادر على إنهاء التمرد هناك، ولا
يريد أن تخرج أي بيانات أو معلومة من أي مصدر سواه، فهو يحتكر المعلومة".
واستدرك "من
نافلة القول أن الداخلية هي من تعمل تحت إمرة الجيش، وعندما يخرج خبر من الداخلية
ثم يتم منعه أو حجبه فهذا يؤكد لنا أن اليد العليا هي للجيش الذي يتحكم في
العمليات الأمنية على مستوى البلاد عامة وفي سيناء خاصة، وهو المتحكم عن طريق
المخابرات الحربية وإدارة الشؤون المعنوية فيما يخرج من بيانات صحفية، وما يتداوله
الإعلام وهو يظهر من خلال تصدير رواية واحدة، ويقتصر دور الإعلام على بثها وتبنيها
دون أي مساحة للحركة أو التعبير".