نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للمدير التنفيذي لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" كينيث روث، يؤكد فيه ضرورة توقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن القصف في الأراضي السورية، قبل أن يبدأ الغرب في دفع فاتورة إعادة البناء.
ويقول الكاتب إن مصير ما يقرب من 2.3 مليون سوري في إدلب، وهي آخر الجيوب التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة في سوريا، أصبح بين يدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويشير روث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المنطقة تعرضت لأنواع مختلفة من القصف العشوائي المتعمد، دون تمييز بين مدني و مسلح، لافتا إلى أن سياسة بوتين هي العصا والجزرة، فهو يدلي بتصريحات يدعي فيها تقديم مساهمات مالية ضخمة لسوريا، بحيث يكون من السهل على المهاجرين العودة إلى ديارهم.
ويوضح الكاتب أن "العصا التي يمسك بها بوتين هي التهديد بالسماح بالمزيد من الهجمات الجوية على آخر منطقة تحت سيطرة مسلحي المعارضة في إدلب في شمال غرب سوريا، لتصبح مشابهة لبقية المناطق السورية التي تعرضت لقصف عشوائي من القوات الجوية السورية والروسية، بحيث تحولت مساحات شاسعة من الأراضي السورية إلى أنقاض".
ويرى روث أن "أسلوب (العصا والجزرة) غير موفق، فالقصف المنظم، الذي قامت به قوات النظام السوري والطيران الروسي، دمر مدنا عدة في سوريا، ومن هنا فإن الثمن المقدر لإعادة إعمار ما تم تدميره يصل إلى 250 مليار دولار، ولا يستطيع بوتين، الذي يعاني من مصاعب اقتصادية، المساعدة في الإعمار إلا بشكل محدود، وناقش بوتين في لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي، قائلا إن قادة أوروبا الراغبين بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يجب أن يفتحوا جيوبهم، ويسهموا في عمليات الإعمار".
ويجد الكاتب أن "الدعم في عمليات الإعمار ليس كافيا من أجل تخفيف مخاوف اللاجئين ودفعهم للعودة إلى بلادهم؛ لأسباب عدة، منها أن الجيش السوري والمخابرات اقتسموا مبالغ من الدعم الإنساني ووضعوها في جيوبهم، لتمويل المذابح التي يقومون بها، ومن هنا فإن الخوف موجود من تكرار الأمر ذاته، وتحويل مبالغ كبيرة من الأموال المخصصة للإعمار إلى حساباتهم، وما زاد من مخاوف اللاجئين هو إصدار الحكومة قانون 10 لعام 2018، الذي يسمح للحكومة بحيازة ممتلكات اللاجئين".
ويلفت روث إلى أن "الأسوأ من هذا كله، هو خوف الكثير من اللاجئين من معاملة الحكومة لهم بصفتهم لاجئين سياسيين؛ لأنهم فروا من بلادهم، ولهذا سيترددون في العودة، واختفى عشرات الآلاف من السوريين في مراكز الاعتقال التابعة للنظام، حيث يستشري التعذيب والقتل، وبدأت الحكومة السورية في الآونة الأخيرة بإصدار بلاغات وفاة لعائلات من اختفوا، دون إبداء سبب ولا توضيح للطريقة التي ماتوا فيها، أو منح العائلات فرصة لدفن أحبائها بطريقة تحترم كرامة الميت".
وينقل الكاتب عن مدير المخابرات الجوية جميل الحسن، قوله الشهر الماضي، إن هناك 3 ملايين سوري مطلوبون للعدالة، ولو عادوا فستتم إدانتهم بتهم الإرهاب، وبحسب رأيه فإن "سوريا بـ10 ملايين مطيعين وتثق بهم القيادة أفضل من سوريا بثلاثين مليون مخرب".
ويذهب روث إلى أنه "طالما لم يجبر بوتين النظام السوري على تفكيك آلة القمع والاقتصاص من الذين يديرونها فإن ضخ الأموال للإعمار لن يكون كافيا لإقناع اللاجئين بالعودة".
ويقول الكاتب إن "الجزرة التي لا تدعو للشهية لا تتوافق مع العصا التي يحملها بوتين، مهددا فيها سكان إدلب، فهذه المحافظة، وحتى هذا الوقت، كانت مهربا للذين لا يريدون العيش في ظل النظام، فمع انهيار معاقل المقاومة منح النظام الناجين فيها خيار (رميهم) في إدلب أو الاعتقال، ولهذا السبب فإن نصف سكان المحافظة هم من المهجرين الذين جاءوا من مناطق أخرى، لكن إدلب اليوم تواجه خطر القصف العشوائي الذي يستهدف أحيانا المدنيين والمؤسسات المدنية مثل المستشفيات، وكانت جرائم الحرب هذه هي السبب الذي أدى إلى مقتل حوالي نصف مليون سوري وتشريد نصف سكان البلاد".
ويعتقد روث أن "روسيا لديها النفوذ لتمنع حدوث مذبحة في إدلب، فقد قاتل سلاح الجو الروسي إلى جانب قوات النظام منذ عام 2015، وكان هذا سببا في تقوية مواقع القوات الموالية للنظام، واستعادة المناطق التي خسرتها، بالإضافة إلى أن شركة تصنيع السلاح الروسية (روسوبورون إكسبورت) هي من أكبر مزودي السلاح إلى النظام السوري، ودافع الدبلوماسيون الروس عن سوريا في مجلس الأمن، وصوتوا ضد إحالتها لمحكمة جرائم الحرب الدولية آكثر من مرة، وحاولوا منع التحقيق، دون نجاح، مع القوى التي تستخدم السلاح الكيماوي".
ويقول الكاتب: "من هنا فإنه يتعين على الحكومات الغربية عدم التظاهر بدفع المال لحكومة سورية لم تغير سلوكها لجعل سوريا آمنة لعودة اللاجئين، عليها أن تضغط على روسيا لاستخدام تأثيرها ومنع مذبحة وحمام دم في إدلب، وأظهرت روسيا نوعا من الاهتمام، فقد كانت إدلب واحدة من أربع مناطق خفض التوتر تم الاتفاق عليها، وهي المنطقة الوحيدة التي لم يستعدها النظام بعد، وقامت روسيا وتركيا ببناء نقاط مراقبة على محيط المحافظة، ومن الفظاظة بمكان أن تطالب روسيا بالثمن على حساب أرواح المدنيين السوريين".
ويضيف روث: "يجب على الدول الأوروبية التأكيد أن العلاقة مع موسكو ستتجمد أكثر في حال ارتكبت جرائم في إدلب، خاصة أن هناك الكثير من الملفات العالقة بين الطرفين، مثل العقوبات التي فرضت على روسيا بسبب شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، وكذلك موضوع الطائرة الماليزية، وعامل الغاز السام (نوفيتشوك)".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "قبل تقديم الدعم المالي للإعمار في سوريا، الذي يقتضي رفع جزء من العقوبات، فإن على الحكومات الأوروبية توضيح تواطؤ روسيا في جرائم الحرب السورية، والضغط على الكرملين لإنهاء هذه الجرائم ووقف الاضطهاد السوري، فمصير 2.3 مليون سوري في إدلب، بالإضافة إلى عودة ملايين اللاجئين المنظورة يعتمدان على إيصال هذه الرسالة".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
بلومبيرغ: ترامب وبوتين اتفقا على خروج إيران من سوريا
التايمز: لماذا ينضم مقاتلو المعارضة في سوريا للنظام؟
أتلانتك: لماذا كشف النظام عن أسماء مفقودي الثورة السورية؟