لا يغني
حذر من قدر، ومشكلة عبد الفتاح
السيسي أنه لا يدرك هذا، لذا فانه دائما يأخذ
بالأحوط!
فعلى
الرغم من أن هناك من يقللون من أهمية الحشود في إسقاط الانقلاب العسكري، فإن
السيسي يرى أنه قابل للعزل بذات الوسيلة التي عُزل بها مبارك ومرسى، مع الفارق
بطبيعة الحال بين حشود الثورة، وحشود الثورة المضادة!
اعتقال السفير معصوم مرزوق والذين معه يأتي في هذا السياق، وهو الإحساس المفرط من قدرة
المظاهرات على إسقاطه، وذلك رغم الدعاية التي يراد للشعب أن يقتنع بها، وأن ما جرى
في ثورة يناير غير قابل للتكرار، والتي يبدو أنها محاولة من الحكم وإعلامه لإقناع
الرأي العام بما لم يقتنع به هو نفسه! ونتيجة الخوف من ذلك، كانت الحملة الأمنية
لاعتقال من دعوا للتظاهر في يوم 31 آب/ أغسطس احتجاجا على رفض مبادرة الاستفتاء
على الحكم!
على الرغم من أن هناك من يقللون من أهمية الحشود في إسقاط الانقلاب العسكري، فإن السيسي يرى أن قابل للعزل بذات الوسيلة التي عُزل بها مبارك ومرسى، مع الفارق بطبيعة الحال بين حشود الثورة، وحشود الثورة المضادة
عندما
أطلق السفير "مرزوق" مبادرته؛ أدهشني فيها الدعوة للتظاهر، وقلت في ملأ
من زملائي إن الانقلاب سيقدم له خدمة عمره إن قام باعتقاله، لاعتقادي أن الرد على
رفض المبادرة بالتظاهر في اليوم المحدد هو خطوة غير مدروسة، فمن يمكنه أن يجازف
بالخروج لمظاهرات تواجه بالقوة، وتحت حماية غربية لا تخطئ العين دلالتها، ثم يكون
الرد إما بالاعتقال طويل الأمد، أو بالخروج بكفالة باهظة لم تحدث في تاريخ
الجريمة، فالذين أفرج عنه في مظاهرات الأرض كان المقابل المادي لكل فرد هو 200 ألف
جنيه، وبشكل لم تعرفه قضايا الفساد والاتجار في المخدرات!
ولا يتوقف
التهوين من قدرة المظاهرات على إسقاط الانقلاب، على عناصر السلطة وحدها، إنما
يشاركهم في هذا الذين أوقفوا المظاهرات بالأمر المطاع، وهم يقيسون على ما سبق، من
تظاهرات تنتهي بمجرد إشارة من السبابة، مخلفة في كل مرة عدداً من القتلى، وعددا من
المعتقلين، وعدداً آخر من المصابين، سواء من جراء اعتداء الشبيحة عليهم، أو من
جراء الاعتداء الأمني!
لا يتوقف التهوين من قدرة المظاهرات على إسقاط الانقلاب، على عناصر السلطة وحدها، إنما يشاركهم في هذا الذين أوقفوا المظاهرات بالأمر المطاع
هؤلاء
وهؤلاء، هم على طرفي نقيض، وإن اتفقوا على التهوين من قدرة المظاهرات على إحداث التغيير،
وباعتبارها سلاحا يستخدم لمرة واحدة فقط، وقد استخدم في عهد مبارك، وبالتالي هو
ليس صالحا للاستخدام مرة أخرى. وهناك خلاف بينهما حول 30 حزيران/ يونيو، فهي لم
تكن مجرد مظاهرات نجحت في إسقاط النظام، ولكنها كانت مجرد غطاء لا قيمة له
للانقلاب العسكري.
"عقدة
السيسي" من المظاهرات هي نفسها العقدة التي حكمت مبارك طيلة ثلاثين سنة، ومنذ
انتفاضة الخبز في 18 و19 كانون الثاني/ يناير 1977. لقد هزت هذه المظاهرات الرئيس
السادات، وبلغ به الحال حد التفكير في الهروب إلى السودان، إذ كان وقتها في
استراحته بأسوان، قبل أن يدخل عليه وزير الحربية عبد الغني الجمسي، ليبلغه بنجاح
الجيش في فض المظاهرات، فعندما حكم مبارك عقب اغتيال السادات وكان مبارك شاهداً
على هذا كله، ولهذا بنى استراتيجيته على عدم السماح بالمظاهرات مهما كانت أهدافها.
فلم يتسامح مع أي مظاهرة، ونجح في أن يمنع المظاهرات تماماً. وكانت أزمته خلال غزو
العراق في تفجر مظاهرات لا يمكن لقوات الأمن أن تسيطر عليها! ولهذا فلم يتهاون
معها، وعندما تظاهر نائبان ضد الغزو الأمريكي، هما حمدين صباحي ومحمد فريد حسنين،
لم تمنع حصانتهما البرلمانية دون سحلهما في الطريق العام، كما لم تمنع دون القبض
على صباحي، والذي أفرج عنه؛ ليس لأسباب قانونية، ولكن لصدور تهديد منه بأن لديه
الدليل على قيام وزارة الداخلية بإحراق سيارة الشرطة أسفل كوبري قصر النيل، وأنه
سيتقدم بالصور التي في حوزته ببلاغ للنيابة العامة ضد وزير الداخلية "حبيب
العادلي"!
وكانت
النيران قد أضرمت في سيارة للشرطة، لتصوير المظاهرات بأنها تخريبية لحصارها
شعبياً، ولإخافة المتظاهرين من أن تكون هناك جهات يمكن أن ترتكب المزيد من هذه
الحوادث وتلصق بهم جنائياً وسياسياً. وفي هذه الليلة، صدرت تعليمات لرؤساء الأحزاب
الرسمية بالمشاركة في المظاهرات، وتطمينهم بأن الرئاسة مفتوحة لأي اقتراحات يمكن
أن يتوصلوا بها مع المتظاهرين، وكان الهدف هو السيطرة عليها بواسطتهم، فلما فشلت
المهمة، ظهرت القسوة الأمنية، حتى ليعجب المرء وهو يشاهد الأمن وقد أمسك
بالمتظاهرات من شعرهن ويقوم بجرهم في شوارع وسط البلد كالذبائح، فلما أُحبطت
المظاهرات، خرج الأمن ليعتدي على رواد المقاهي، ممن لم يكونوا جزءا من هذه
المظاهرات، لكن الخوف هو ما أنتج هذه المغالاة في القسوة وردة الفعل الأمني!
وبانتهاء
المظاهرات الخاصة بغزو العراق، ظن نظام مبارك أنه تمكن من أن يعود إلى الهدوء كما
أراد، لكن يلدغ المرء من مأمنه، فقد بدأت المظاهرات تعرف طريقها لسلالم نقابة
الصحفيين، وكان العنف الأمني حاضراً، لدرجة التحرش بصحفية بواسطة أحد الشبيحة المستدعى
أمنيا لهذه المهمة، فانتقلت المظاهرات إلى بعض الميادين احتجاجاً على هذا التصرف،
الذي استفز كثيرون ممن لم تكن لهم علاقة بالسياسة، واستحق الرئيس مبارك تبكيتا على
ذلك من قبل الرئيس الأمريكي!
وأزمة
السيسي أنه يتصور أن مبارك هو من سمح بالمظاهرات، فكانت يناير، وهو فهم ليس
صحيحاً، فمبارك حاول قدر استطاعته منع المظاهرات، لكن القبضة الأمنية كلما اشتدت
يتبعها تراخياً، لا سيما مع السياسية المستفزة ورفض الجماهير لها، وكانت النهاية
بإغلاق أي مجال للتنفيس السياسي، أو بالأمل في تداول السلطة عبر الأطر المشروعة،
في ظل وجود مجموعة جمال مبارك التي تفتقد للحصافة، وفقدان نظام مبارك رجاله
القدامى الذين لديهم القدرة على المناورة السياسية، وبانتخابات برلمانية أغلقت
المجال العام تماما، فكان ما كان!
إن السيسي ليس سياسياً، باعترافه، فقد قرأ الصورة بالمقلوب، وقرر منع التظاهر، وكان في خوف من أي مظاهرة محتملة، وهو إنسان يحتاط من أي هاجس، لذا كان القرار بمنع التظاهر كلية.. فاته أن مبارك عندما فعل هذا كانت الحياة السياسية في "بحبوحة"، وكانت أحزاب المعارضة قوية
ولأن
السيسي ليس سياسياً، باعترافه، فقد قرأ الصورة بالمقلوب، وقرر منع التظاهر، وكان
في خوف من أي مظاهرة محتملة، وهو إنسان يحتاط من أي هاجس، لذا كان القرار بمنع التظاهر كلية.. فاته أن مبارك
عندما فعل هذا كانت الحياة السياسية في "بحبوحة"، وكانت أحزاب المعارضة
قوية، وكان البرلمان فيه نواب معارضين، ولم يفعل ما فعله السيسي من غلق المجال،
وكتم الأنفاس، وإفقار الناس. فالحقيقة أن الأزمة الاقتصادية بشكلها الخانق لم تبدأ
إلا في 2004، هذا فضلا عن أن مبارك جاء في إطار من الشرعية المتوافق عليها، ولم
يأت عقب انقلاب كما السيسي، كما لم يكن الشعب
المصري قد عرف الثورة، وهي الأزمة
التي تواجه حكم المذكور!
لقد اعتقل
السيسي معصوم مرزوق ورفاقه، لسد الباب أمام أي احتمال ولو كان ضئيلا، ليس مكترثاً
بأنه يقدم لمرزوق خدمة عمره، إذا فشل في حشد الناس، وهو ما يمكن أن يؤثر على موقعه
السياسي، فلم يشأ السيسي في إطار الخوف من أي احتمال، أن يناور سياسياً؛ لأنه
أصلاً ليس سياسياً، ولأنه مؤمن بالحكمة الخالدة التي تقول إن الباب الذي يأتي منه
الريح سده واستريح!
فاته أنه
لا يغني حذر من قدر!