"أصبح
سماع كلمة (عيد) يمثل لي ولأمه ألما كبيرا، ناهيك عن دموع لا تنضب يداريها كل منا
عن الآخر ليلة
العيد. ومع كل تهنئة من الجيران: كل عام وأنتم بخير والعيد الجاي
تفرحوا بعودة أسامة؛ ينشق قلبي وينفطر قلبها".
كانت
تلك كلمات همس بها الشيخ (أسامة) 70 عاما، لمراسل "
عربي21" عبر الهاتف
حتى لا تسمع أم أسامة الابن المعتقل حديث أسامة الأب، الذي أضاف أنه
"لولا الصبر والأمل في الله لمتنا أنا وأمه لفراق وحيدنا المعتقل بالمنصورة
منذ أربع سنوات ونصف تقريبا"، مبينا أنه العيد العاشر الذي يمر عليه بالمعتقل
وعليهم من دونه.
ويحل
عيد الأضحى المبارك الثلاثاء، بينما يعد هو العيد الحادي عشر الذي يمر على عشرات
الآلاف من المعتقلين
المصريين في
سجون الانقلاب منذ تموز/يوليو2013، وحتى اليوم.
والسؤال:
كيف تمر هذه الأيام على آباء
وأمهات وأبناء وزوجات المعتقلين السياسيين في مصر؟
"
عربي21"،
تحدثت مع بعضهم، فمنهم من غلبته مشاعره ولم يستطع إكمال الحديث، ومنهم من تماسك
ووصف مشاعره وسط دموع متحجرة.
حلم
زوجة عبدالعاطي
الدكتورة
منى المصري زوجة المعتقل منذ الانقلاب العسكري الدكتور أحمد عبدالعاطي، سكرتير
الرئيس محمد مرسي، قالت إنها تعبت من كثرة عدّ الأعياد والمناسبات التي تمر دون
زوجها وإبعاده القسري عن أبنائه، وأن العيد يزيد من وجع القلوب، موضحة أنها لا تجد
ما يصف مشاعرها من بين الكلمات، طالبة من مراسل "
عربي21"، أن يمهلها بعض
الوقت لتتمالك مشاعرها ثم ترد.
المصري،
عادت لتؤكد لـ"
عربي21"، أن "هذا العيد يعد الأصعب علينا وعلى
الدكتور عبدالعاطي"، موضحة أنه " مؤخرا فقد أمه التي لم يرها طوال 5
سنوات، لأنها كانت مريضة لم تتمكن من زيارته"، مبينة أنه "للأسف، فإن
تاريخ آخر زيارة له بسجن العقرب كانت قبل عامين".
وحول
مشاعر أبنائها بالعيد، قالت إنه "مع طول سنوات الاعتقال أصبحت الظروف أشد
وأقسى والمشاعر ملتهبة أضعافا"، مشيرة إلى أن "أصغر أبناء عبدالعاطي،
(عاشة) التي خطفوا منها والدها وهي ابنة 5 سنوات، أصبحت اليوم 10 سنوات يعني أن نصف
عمرها مر وهي لم تر والدها الذي ما زال
يعتقد أنها بسن الحضانة".
وتساءلت
عن هذا الظلم الذي طال الكثيرين، موضحة أنها لم تعتد يوما بأنها زوجة سكرتير رئيس
الجمهورية، وكل ما كانت تحلم به هي وزوجها هي أحلام ثورة يناير، مبينة أنها
وزوجها كانا يعيشان خارج مصر قبل انطلاق الثورة في 2011، وحلمت لمصر أن تكون أفضل
بلاد الدنيا ولشعبها بالحرية، مؤكدة أن "الحلم كان كبيرا ومازال قائما؛ لأن
الذي دُفع فيه غال جدا ومازال يُدفع حتى اليوم من الدم وسنوات العمر"، قائلة: "ومن يرجع عن حلمه أراه خائنا".
حلم
"أم باسل"
وقالت
(أم باسل): "ابتلائي مضاعف حيث اعتقل زوجي الداعية والإمام بوزارة الأوقاف
والباحث في الشريعة الإسلامية منذ الانقلاب العسكري، وبعده بأشهر قليلة تم خطف
ابني الأكبر باسل، وبالفعل مر علينا 11 عيدا أتذكر كل لحظة ألم مرت علي وعلى أبنائي دونهما".
وأضافت
لـ"
عربي21"، "ابني في معتقل وزوجي في آخر فمن أزور فيهما؟ ومن أين
أدبر أموال الزيارة؟"، مؤكدة أنها تحلم بأن يزول هذا الهم وتقضي العيد في
بيتها تغسل جدرانه وأرضيته، وزوجها يساعدها، وابنها يراقبهما ويضحك على أبيه.
وتابعت: "أحلم أيضا أن أستيقظ صباح العيد لا لركوب سيارة وحمل الطعام للذهاب إلى
السجون، والوقوف أمام أسوارها والانتظار بطوابيرها من أجل دقائق أرى فيها ابني أو
زوجي"،
مضيفة "كم حلمت مع قرب العيد أن أذهب معهم
جميعا للصلاة في الخلاء يدي بيد زوجي، أسمعه يلقي خطبة العيد ونوزع الحلوى على
الأطفال ونلتقي الأصدقاء ونفرح كما يفرح الناس".
"في
غياب أبي"
وتقول
(إباء) 20 عاما، ابنة المعتقل والموجه بالتربية والتعليم (عادل): "فى
غياب أبي ومع قدوم العيد، فإن كل التعبيرات اللغوية والكلمات الإنشائية، لا تكفي
لوصف مشاعرنا الأسرية وألمنا المستمر وحزننا الشديد لغيابه عنا وعدم احتفاله
بالعيد معنا".
وأوضحت
لـ"
عربي21"، أنه "يقضي عيده الثاني بغياهب السجون احتياطيا على ذمة
قضايا ملفقة دون دليل ودون إصدار أي أحكام بحقه"، مضيفة: "ولكن ماذا نقول
ونحن نعيش على أنقاض دولة يحكمها طغاة متجبرون ظالمون، لا يخشون الله ولا يرقبون في
مؤمن إلا ولا ذمة؟".
هكذا
يدبرون احتياجاتهم
وبسؤال
أحد المسؤولين من جماعة
الإخوان المسلمين عن ملف رعاية بعض أسر الشهداء ماديا
ونفسيا واجتماعيا، قال إن أكثر كلمات تعبر
عن الحالة المصرية هي قول جورج برناردشو: "أكثر الناس قلقا في السجن هو
السجان"، ورؤية إبراهيم الكوني، بأن "المكان المناسب الوحيد للإنسان النزيه
في عالمنا هو السجن".
وأضاف
لـ"
عربي21"، أن "ملف المعتقلين جرح نازف وعار في جبين المسألة
المصرية يؤرق منام كل إنسان شريف، حيث معاناة أسر المعتقلين في تدبير تكاليف
الزيارات ورحلة السفر الطويلة وسوء المعاملة والإهانات، فضلا عن وجود أكثر من فرد
بسجون مختلفة، بالإضافة لمصاريف الحياة والإعاشة لأسر غاب عنها عائلها".
وأكد
أنه "بالنسبة لرعاية الجماعة لأسر المعتقلين، فأغلبها إن لم يكن كلها جهود بين
أبناء القرية الواحدة والحي الواحد، لكن بالمدن المشكلة أعمق نظرا لأن الناس لا
تعرف بعضها وبدل الكثيرين محل سكنه، مما أضعف التواصل عبر القنوات الرسمية".
وأشار
إلى الجانب الإيجابي بالأمر، موضحا أن "روح التكافل واقتسام اللقمة والمعدن
النفيس لهذا الشعب الحقيقي من الإخوان وغير الإخوان من الحاضنة الشعبية لُمست
كثيرا، على سبيل المثال توزيع الأضاحي وغيرها من أعمال البر، تكون أسر المعتقلين في رأس الأولويات"،
مضيفا أنه "من أشكال التضامن أيضا ألا يتقاضى مدرس أجر دروس، وصيدلي
يبيع علاجا بسعر الجملة لأسر المعتقلين".