تستعصي الحكومة اللبنانية الثانية في عهد
رئيس الجمهورية، ميشال عون، على التأليف، ويبدو رئيسها المكلف سعد الحريري يواجه "مطبات"
وعراقيل، بعضها مرتبط بالحصص والأحجام تحت عناوين الحصص الطائفية للكتل السياسية،
والآخر يكمن في تحديد بوصلة السياسة الخارجية اللبنانية، وسط مطالبات من محور
"حزب الله" بضرورة تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
ورغم التفاؤل الذي يحاول عون والحريري بثهما بين حين وآخر في غمرة مشاورات التأليف، فإن المشهد يوحي باقتراب دخول لبنان في أزمة على المستويين الاقتصادي والسياسي، في
ظل الفراغ الحكومي، وعدم التصدي للملفات الحياتية لدى اللبنانيين، المتأزمة أصلا، أبرزها ملفات الكهرباء والنفايات والملف الصحي وغيرها.
ولا يجد مفوض الإعلام في الحزب التقدمي
الاشتراكي، رامي الريّس، في تأخير تأليف الحكومة أمرا مستغربا، وقال: "ليست هي
المرة الأولى التي تتشكل فيها الحكومة اللبنانية، في ظلّ العقد نفسها، والتي يفرضها
بعض الأطراف من خلال تجاوز نتائج الانتخابات النيابية، والالتفاف عليها، ومنع
الأحجام التي حصلت على حضور أكبر انتخابيا من الحصول على تمثيلها في الحكومة"،
لافتا إلى أن "هناك محاولات من بعض الأطراف للحصول على تمثيل في الحكومة، رغم
انتمائهم إلى كتل سياسية كبيرة، وبالتالي عدم أحقيتهم في طلب الحصول على حقائب
وزارية".
الالتفافات
ورأى الريس، في تصريحات لـ"عربي21"، أن تأليف الحكومة يتم من "خلال توقف هذه الأطراف عن الالتفافات حول ملف
التشكيلِ، والابتعاد عن المطالبات غير المنطقية".
وعن إصرار الحزب التقدمي على حصته من التمثيل
الدرزي في الحكومة، قال: "من رفع شعار (الأقوى في طائفته) هو التيار الوطني
الحر، وكان هذا الشعار ذريعة لإعاقة 43 جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية قبل أن تتم
التسوية الأخيرة، وبالتالي لا يمكن أن يطبق هذا الشعار من طرف على حساب آخر"،
واصفا المطالبات بالحصول على مقعد درزي من غير الحزب الاشتراكي "بألاعيب فشلت
في تحقيق غايتها سابقا في الانتخابات النيابية، ولن تفلح هذه المرة أيضا".
ورفض الريس ربط تشكيل الحكومة بتطبيع
العلاقات مع النظام السوري، قائلا: "هذا الملف هو أحد العناوين الخلافية
الكبرى بين اللبنانيين"، متابعا: "هناك محاولة تسلّل يستخدمها البعض
للدفع بلبنان إلى تطبيع علاقاته مع النظام السوري عبر بوابة اللاجئين أو الكهرباء
والصادرات اللبنانية وغيرها من الملفات"، وشدّد أن "محاولات التطبيع على
هذه الطريقة أمر غير مقبول؛ لأن الأمر منوط بالخارجية اللبنانية وقدرتها على ربط
العلاقات مع بلد أنهكته الحرب، وقام نظامه بارتكاب عمليات قتل في صفوف شعبه".
ودعم الريس موقف الرئيس المكلف سعد
الحريري حول رفضه التطبيع مع النظام،
وقال: "نؤيد موقفه، ولا يستطيع أحد القفز عن الإجماع اللبناني حيال هذا الملف،
خصوصا أن هذا النظام متورط في إرسال مفخخات تستهدف شمال لبنان بتخطيط وتدبير منه، وهناك متورطون تابعون له، كالوزير ميشال سماحة الذي تم توقيفه".
التطبيع سابق لأوانه
من جهته، اعتبر النائب السابق عن تيار
المستقبل، نضال طعمة، أن "تطبيع العلاقات مع النظام السوري سابق لأوانه، ولا يحق
لأحد طرحه قبل التأليف، فالحكومة وحدها تمتلك حق المناقشة والإقرار أو
الرفض"، كاشفا في تصريحات لـ"عربي21" عن ضغوطات مورست على الحريري، من خلال ربط إزالة العراقيل بالموافقة على شبك العلاقات مع النظام السوري، وقال:
"أجزم بأن الرئيس الحريري حاسم في خياره، ولن يستجيب لطلب التطبيع من دون
الحصول على الإجماع اللبناني بخصوصه".
ورأى طعمة "أن عملية تشكيل الحكومة لا
تزال ضمن المسافة الزمنية المعقولة، رغم تمنياتنا أن ينجز التأليف منذ الأسبوع
الأول، إلا أن الأزمات اللبنانية تحول دون ذلك"، مبديا تخوفاته على الاقتصاد
اللبناني في حال طال زمن التأليف، وقال: "هناك مخاوف تحوم حول اقتصادنا في حال
استمرت عقدة التأليف"، ورأى أن "المطالبات بشأن حصص التوزير يجب أن تكون
بناء على الحصص التي أفرزتها الانتخابات النيابية".
وأكد طعمة أن أطرافا عدة تضع العراقيل أمام
الحكومة "بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، في الوقت الذي يتهمون فيه
السعودية بالضغط لمنع التأليف"، مقللا من أهمية الحديث عن تكليف رئيس حكومة
آخر بدلا عن الحريري؛ "لأن الأمر إذا حدث تكون العلاقات الداخلية كسرت، ودفع
بالمشهد السياسي نحو التأزيم الحقيقي".
الأزمة داخلية
وخارجية
وفنّد الكاتب والمحلل السياسي جورج علم أسباب
تأخر تشكيل الحكومة، وعزا ذلك إلى عاملين، الأول داخلي مرتبط بالحصص وفق ما أفرزته
الانتخابات النيابية، والثاني خارجي مرتبط بالأزمة السورية ومدى استعداد لبنان
الرسمي للانفتاح دبلوماسيا تجاه دمشق.
واعتبر في تصريحات لـ"عربي21" أن تمسك
أطراف بما تعتبره حقا لها في الحكومة الجديدة يحول دون التفاهم على التوليفة
الحكومية، ولا يعطي أفقا للحل في ظل تزاحم عقد التمثيل المسيحي والدرزي
والسني"، معتبرا أن ما أعلنه الحريري عن رفضه التطبيع مع النظام السوري
"يعني بالتأكيد تفسيرا واقعيا للتأخير في إعلان الحكومة الجديدة".
وتساءل علم عن "كيفية معالجة أزمة ملف
اللاجئين السوريين في لبنان، البالغ تعدادهم قرابة مليون ونصف المليون، من دون
إيجاد جسر للتواصل بين لبنان الرسمي والنظام السوري، خصوصا أن المبادرة الروسية
أشارت إلى ضرورة أن يتم التواصل بين الطرفين؛ لضمان إنجاز ملف عودة اللاجئين".
هل تجد "تحرير الشام" نفسها عدوة الجميع بإدلب و"كبش فداء"؟
ضغوط تركية على فصائل المعارضة للاندماج بجسم موحد بإدلب
مصدر لـ"عربي21": عرض روسي للمعارضة بالقتال مع الأسد