نشرت مجلة "
لوبوان" الفرنسية تقريرا
بينت فيه كيف ساهمت سلسلة القوانين الجديدة التي تبناها البرلمان
المصري، في تقييد
العمل الصحفي في مصر، ليصبح بذلك انتهاك الدولة لحرية التعبير مقننا.
وقالت
المجلة، في هذا
التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن أغلبية الثلثين من البرلمان المصري قد
صادقت على ثلاثة نصوص قانونية متعلقة بوسائل الإعلام، تهدف جميعها إلى
"مكافحة المعلومات المضللة"، وذلك بحسب بيان نشر عن مجلس النواب.
وفي مقابلة له مع وكالة أسوشييتد برس، علق رئيس
نقابة الصحفيين السابق، يحيى قلاش، على سلسلة القوانين الجديدة التي أقرها البرلمان
المصري قائلا: "هذا يوم حزين بالنسبة للصحافة"، وقد تحدث مطولا عن تأثير هذه
القوانين.
وأوردت المجلة أنه في يومي 10 و11 حزيران/ يونيو الماضي، صادق البرلمان على هذه
القوانين مؤقتا، وستكون سارية المفعول رسميا
بعد مصادقة الرئيس عبد الفتاح السيسي عليها. وقد تم عرض بيان للمطالبة بتعديل
العديد من البنود المثيرة للجدل، بناء على طلب
من نقابة الصحفيين ومجلس الدولة.
وذكرت
المجلة أن قلاش نشر تغريدة قال فيها: "تم تمرير
قانون اغتيال مهنة الصحافة وهامش حرية التعبير... والقتلة والمشاركون في الجريمة
يستكملون دورهم بكتابة بيانات التهنئة والتبريكات!! حرية الصحافة معركة طويلة
وممتدة وخسارة جولة ليست كلمة الختام. إنه يوم حزين والعار سيلحق بكل الذين باعوا
ضمائرهم وخانوا مهنتهم".
وأكدت المجلة أنه تم إجراء مفاوضات بين نقيب الصحفيين
عبد المحسن سلامة، ورئيس مجلس النواب علي عبد العال، ووزير شؤون مجلس النواب عمر
مروان، ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، أسامة هيكل.
وحسب ما أفاد به عبد المحسن سلامة، فقد "توصل الجميع إلى أرضية مشتركة [...]
بطريقة سلمية ومتحضرة".
وبينت المجلة أن المشكل يكمن في أن عبد المحسن سلامة لا يحظى بتأييد جميع أعضاء النقابة بشأن ما توصل
له خلال الاجتماع الأخير مع الشخصيات المذكورة آنفا. وقد أعرب ستة من أعضائه عن
رفضهم العميق لهذه النصوص معتبرين أن التعديلات لن تغير شيئا من الآليات التي تنص
عليها القوانين الجديدة.
وأشارت المجلة إلى أنه تم التصويت على القوانين
الجديدة بعد ثلاثة أسابيع من النقاش. ويتمثل القانون الأول في "القانون
الوطني لوسائل الإعلام" الذي يتطلع إلى تركيز منصات إعلامية خاصة ومراقبة
نشاط الإعلام الخاص والحكومي. أما القانون الثاني، تحت عنوان "القانون
المفروض على السلطة الوطنية للصحافة" فيشتمل على تنظيم الصحف والمواقع
الإلكترونية وإخضاعها لإدارة الدولة". وأما القانون الثالث، "السلطة
الوطنية على الإعلام"، فهو يهدف إلى تنظيم القنوات التلفزيونية ومحطات
الراديو التابعة للدولة.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب صادق على قانون يكافح الجرائم الإلكترونية ويعطي السلطات الحق في حجب المواقع
والمدونات التي يمس محتواها من الاقتصاد الوطني أو من الأمن القومي. وسيكون أصحاب
أو مستخدمي هذه المواقع عرضة للسجن ودفع غرامات مالية.
وأضافت المجلة أن بعض الإجراءات المترتبة عن هذه
النصوص ستمكن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، من مراقبة أي ناشط على الإنترنت لديه
أكثر من خمسة آلاف متابع أو مشترك في صفحته أو على موقعه الشخصي أو مدونته أو عبر
أي حساب على شبكات التواصل الاجتماعي، مع إمكانية معاقبته.
ويحق للهيئة إيقاف أو إغلاق أي حساب ينشر
"أخبارا خاطئة" أو معلومات "تحرض على خرق القانون، أو تدعو إلى
العنف أو الكراهية". وتعد المادة 29، التي تعنى بتنظيم الصحافة والإعلام، من
أكثر المواد المثيرة للجدل.
وأفادت المجلة بأنه وفقا للنص المعتمد يوم
الاثنين، "لن تُفرض عقوبة على منشورات الصحفيين، إلا في حالات التحريض على
العنف"، كما أنها حُذفت كلمة "إيقاف" من البنود. في هذا السياق، أفاد
أسامة هيكل بأنه "على الرغم من ذلك، فإنها تمت المحافظة على العقوبات التي تقيد حرية
الصحافة"، ولم يحدد هيكل بالضبط طبيعة هذه العقوبات. وإلى حد الآن، لم يتم
بعد تحديد ما تعتبره الدولة بمثابة إهانة أو بمثابة "معلومات مغالطة".
من المتوقع أن تعزز هذه القوانين الجديدة الجهاز
التشريعي الذي لا يضيق الخناق على الصحفيين ويقيّد حريتهم فحسب، وإنما يسلب
المواطنين المصريين أيضا حرية التعبير. وتحتل مصر اليوم المرتبة الـ161 عالميا في
حرية الصحافة من أصل 180 دولة، بحسب إحصاء نشر سنة 2018 عن منظمة "مراسلون
بلا حدود".
وذكرت المجلة أنه ورد في بيان صادر عن منظمة
العفو الدولية أنه "من الواضح أن مشاريع القوانين الجديدة هي عبارة عن وسيلة
لتقييد حرية الصحافة والتعبير، وفيها انتهاك صارخ للمعايير الدولية والدستور
المصري. وتهدف هذه القوانين إلى حجب المواقع الإخبارية بحجة حماية الأمن القومي
والأخلاق العامة". وخلال هذه السنة، تم إغلاق 500 موقع إخباري بتهمة
"الإرهاب" أو نشر "معلومات مضللة". ويبدو أن هذا الرقم سيرتفع
أكثر بما أن التشريع الجديد يمنع إنشاء مواقع إعلامية عبر الإنترنت دون الحصول على
ترخيص حكومي.
وفي الختام، قالت المجلة إنه من المؤكد أن هذه
القرارات لن تطمئن 34 صحافيا ومدونا قابعين حاليا في السجون المصرية، على غرار
محمود أبو زيد، المصور الصحفي الذي قام بتغطية مجزرة ساحة رابعة العدوية يوم 14
آب/ أغسطس من سنة 2013. وقد وجهت لأبي زيد تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين عند
اعتقاله، وإنه إلى حد الآن، ما زال محبوسا بين جدران زنزانته وهو معرض لعقوبة الإعدام.