كان تصويت مجلس الشيوخ الإيرلندي مساء الأربعاء 11 تموز/ يوليو 2018 على "قانون الأراضي المحتلة" الذي يحظر الاتجار ببضائع الاحتلال المنتجة في الأراضي المحتلة سنة 1967 وبضائع المستوطنات بضمنها، خطوة مهمة في السياق الأوروبي والعالمي.
كان التصويت على "قانون الأراضي المحتلة" شاقاً ونجح بفارق خمسة أصوات فقط بواقع 25 مقابل 20 صوتاً، مع ملاحظة أنّ هذه الأصوات العشرين المعارضة تركزت في مقاعد حزب الحكومة.
لقد أظهرت عضو مجلس الشيوخ الإيرلندي السيناتور المستقلّة فرانسيس بلاك تصميماً على الخروج بموافقة مجلس الشيوخ (السيناد) وهي التي بادرت بالخطوة ونافحت حتى اللحظة الأخيرة وكسبت التصويت، فكسرت بهذا مراهنة الحكومة على أنّ الموافقة لن تمرّ، وما حسم الموقف هو تصويت حزب "فيانا فيل" Fianna F?il الجمهوري المحافظ لصالحه.
ويقضي القرار بحظر استيراد وبيع أي سلع أو خدمات مصدرها المستوطنات غير القانونية المقامة في الأراضي المحتلة سنة 1967.
وتأجّل التصويت على "قانون الأراضي المحتلة" عن موعده المقرر في كانون الثاني/ يناير 2018 بعد أن حاولت الحكومة الإيرلندية التخفيف من مضمونه استجابة لضغوط حكومة الاحتلال، لكنّ محاولة "التخفيف" أو التطويع لم تُفلِح.
وبعد الإنجاز المتحقق في مجلس الشيوخ فإنّ التحدي الآن يتمثل بإقراره في مجلس النواب، خاصة وأنّ المتوقع هو معارضة من جانب نواب الحزب الحاكم وهو ما يجعل جولة البرلمان اختباراً آخر بالطبع، خاصة مع معارضة الحكومة الإيرلندية للخطوة بشكل واضح وتكثيف ضغوط الاحتلال لعرقلة تمرير الحظر. لكن من المتوقع أن تؤيد الأحزاب الإيرلندية القرار باستثناء حزب "فاين غايل" Fine Gael الحاكم الليبرالي المحافظ (يمين وسط) الذي يشغل أقل من ثلث مقاعد المجلس النيابي بواقع 50 من أصل 158 مقعدا.
ورغم أنّ جولة مجلس النواب تبدو أسهل من جولة مجلس الشيوخ، إلا أنّ هناك تأثيراً محتملاً لعمل لجنة المراجعة البرلمانية التي ستُكلّف بمراجعة القرار تمهيداً للتصويت عليه في مجلس النواب، وربما تتم محاولات لكسر جبهة التأييد للتوجّه.
من المؤكد أنّ ما تحقق في مجلس الشيوخ الإيرلندي هو تطوّر مهم ويحمل قيمة سياسية وجدوى اقتصادية ومعنى رمزياً باتجاه نبذ الاحتلال وعزله، وقد يصبح نموذجاً يُحتذى في بلدان أخرى. ومن المهم أيضاً أنّ ضغوط الاحتلال على مدار شهور لم تفلح في عرقلته أو في التأثير المناوئ، بما في ذلك محاولة ترهيب النواب الإيرلنديين من مغبة أن يشملهم حظر دخول أنصار "المقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات" إلى فلسطين المحتلة.
لا شكّ أنّ هذا التطوّر الإيرلندي يتطلب تكثيف الجهود التواصلية والإقناعية، خاصة من المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني والتشكيلات الشعبية عموماً، علاوة على أصحاب الرأي وحاملي الأقلام، لحثّ النواب والمسؤولين في إيرلندا على الإقرار النهائي لهذا التوجّه الذي يستجيب للالتزامات المبدئية والأخلاقية ولمقتضيات القانون الدولي أيضاً، مع مواصلة التصدي لحملات الاحتلال المضادة وتفنيد ذراىعه الدعائية المحبوكة.
وسيبقى من المهم حشد الجهود في المجتمع المدني الإيرلندي وفي مواقع التواصل الاجتماعي لتعظيم ثقافة مجتمعية عامة داعمة للتوجّه ومساندة له، ومواصلة نبذ الاحتلال وعزله، خاصة في هذا البلد الأوروبي الذي يتميّز بروح شعبية ملموسة في هذا الصدد ويختصّ بحسّ عالٍ نحو سياسات القهر المسلّطة على الشعوب.