ردا على القيادي الفتحاوي عزّام الأحمد، كتب الدكتور موسى أبو مرزوق، أحد كبار قادة حماس، تغريدة بعنوان "ماذا تريد حماس؟"، قال فيها من ضمن ما قاله: "حماس تريد دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس".. وأنت وإذ تقرأ التغريدة، وفي حال كنت جاهلا بما يجري في بلادنا وفي هذا العالم، فإنّه سوف يُخيّل إليك للوهلة الأولى أن دولة الضفة والقطاع تقف على باب الفلسطينيين، ولا يمنعها من الدخول سوى انعدام تفاهم حماس وفتح!
بصرف النظر عن أي كلام تأسيسي حول مسألة الدولة، وحدودها، وكيف استدخلت إلى فكر حماس؛ إلى درجة تضمينها أخيرا في وثيقة سياسية أساسية. وبصرف النظر عن مسألة الحلّ المرحلي، وإن كانت الدولة التي يتحدث عنها الدكتور أبو مرزوق ضمن الرؤية التقليدية لحماس حول الهدنة والحلّ المرحلي، أو كانت رؤية نهائية تتغطّى بالعبارات المواربة، وبصرف النظر عن كون الممسك الرئيس بالمفاتيح الفلسطينية أي حركة فتح وقيادتها هو الذي جرّ الجميع لهذه المربعات الضيقة.. بصرف النظر عن ذلك كلّه، فإنّ الحديث عن دولة في الضفة القطاع لم يعد ذا معنى، وما يمنع دولة كهذه ليست الخصومة بين حماس وفتح، أو سوء فهم فتح لحماس!
الحديث عن دولة في الضفة القطاع لم يعد ذا معنى، وما يمنع دولة كهذه ليست الخصومة بين حماس وفتح، أو سوء فهم فتح لحماس
يوجد ما يحمل "إسرائيل" على القبول بـ"مبادراتنا وما نريد"، والتخلّي عن عمقها الجغرافي الإستراتيجي وجوهر مقولتها الصهيونية الأيديولوجية المتمثل في الضفة الغربية
إلا أن قطاعات من الفلسطينيين، وربما كانت واسعة في حينه، وبسبب ما رأته من طول أمد في الكفاح، وبسبب التخلّي العربي، ومأساة الخروج من بيروت، والنهاية المأساوية لحرب الخليج الثانية، واستعجال قطف ثمار الانتفاضة الأولى.. رأت أن هذا التوجه قد يكون ذا مغزى، وهذا بصرف النظر عن النوايا الحقيقية لقيادة منظمة التحرير في حينه. أمّا الآن، فباتت الحقيقة الوحيدة هي أنّه لا إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقدس في الظرف الجاري وضمن موازين القوى القائمة.
وكان يفترض أن تكون هذه الحقيقة قد استقرت في يقين قيادة منظمة التحرير بعد نهاية المرحلة الانتقالية وفشل مفاوضات كامب ديفد ودخول انتفاضة الأقصى، ثم بعد فشل الدفعة التي أخذتها في أنابوليس بعد الانقسام الفلسطيني، ثم في فشل التعويل على أوباما، ثم في فشل التعويل على ترامب. ولم تكن هذه القيادة بحاجة لكل هذه الدلائل، فإن نظرة واحدة للوجود الصهيوني في الضفة الغربية وهندسته الاستعمارية لها تبين ما هي خطته المتدرجة لفرض الحلّ الذي يناسب رؤيته الإستراتيجية لوجود "إسرائيل" وبقائها. وها قد جاءهم ترمب وقال لهم "القدس خارج المفاوضات،" و"لا توجد دولة فلسطينية متصلة وتحظى بنفوذ أمني كامل في الضفة"، و"الوجود الإسرائيلي في الضفة سيظل قائما"، وعلى هذا الأساس فاوضوا.. باختصار هذه هي النهاية الطبيعية المدمّرة لما سُمّي بمسيرة التسوية أو حلّ الدولتين!
خطأ فادح أن تبادر أي حركة تحرر وطني أو حركة مقاومة لطرح أفكار من هذا النوع؛ دون أن تستند إلى تحولات تشير إلى تراجع جدّي مؤثّر في الواقع السياسي للقوّة الصهيونية، أو إلى موازين قوى قادرة على إنفاذ هذه الأفكار
الأمر لا يتعلق بإدارة قيادة المنظمة وفتح للمفاوضات، أو في شخص من يفاوض، ولا في النوايا التي دفعت تلك القيادة لهذا المسار فحسب، بل، وبشكل أساس، في المبدأ نفسه ضمن موازين القوى
محمود عباس يطلق النار على قدميه.. لكن أين حركة فتح؟
صفقة القرن.. معضلتنا الكبرى وحظنا من خطيئتها!