في صباح الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو 2012، كانت
مصر فعلا تقف على أطراف أصابعها في انتظار نتيجة الانتخابات المصرية. كنت مدعوا لبرنامج في إحدى القنوات، وأكدت لي مديرة البرامج أن الأمور حسمت لصالح أحمد شفيق، وأن الحرس الجمهوري فعلا قد ذهب لمنزله لحمايته. الحقيقة أصابني الغضب والتوتر، وتخيلت مشهد صدام هائل قابل للحدوث، وخاصة بعد الإعلان الاحترازي للنتائج الذي أعلن قبل النتيجة الرسمية بعدة أيام. انتهيت من الحلقة وتوجهت لمتابعة إعلان النتيجة، وكان الجميع مترقبا لتلك اللحظة، وبعد ذلك بست سنوات، وفي نفس اليوم الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو، كنا ننتظر أيضا نتيجة انتخابات رئاسية أخرى، ولكن في
تركيا هذه المرة.. صحيح أننا مهاجرون أو ضيوف (سمنا بما شئت)، ولكن أعتقد أن الجميع كانوا يقفون أيضا على أطراف أصابعهم في انتظار واحدة من أهم الانتخابات التي جرت في تركيا، تماما كما كان الحال في مصر منذ ست سنوات.
والغريب أن القوى الإقليمية التي كانت تريد هزيمة الدكتور
مرسي في الانتخابات؛ هي نفسها التي كانت تسعى وتقاتل من أجل أن يُهزم أردوغان.. لا ليس غريبا.. فكلاهما يسعى لتحرير شعبه، وهذا مرفوض قطعا من تلك القوى الإقليمية.
على أي حال، فقد أتى حزيران/ يونيو بالانتصارات للاثنين. وتشاء الأقدار أن أحضر الانتصارين، وأحتفل بهما في شوارع القاهرة وإسطنبول، المدينتين العريقتين، حيث تشعر وأنت تسير في بعض شوارع إسطنبول القديمة أنك تسير في القاهرة.
إلا أن تموز/ يوليو لم يُكمل فرحة مصر، وفي 3 تموز/ يوليو حدث الانقلاب، وكنا أيضا في الشوارع، وكنت أقف مع صديق عزيز قال لي بعد سماع بيان الانقلاب: إن هذه بداية وليست نهاية، كما سمعت أحدا بجانبي يقول: لقد أجبرنا على طريق لم نكن نسعى إليه، ولكن يبدو أنه لا بديل. كانت المشاعر متناقضة وسط حالة من الذهول من الكثيرين. كيف يحدث ذلك؟ ولماذا؟ بينما كان الآخرون يفكرون في ما سيحدث وما ستؤول إليه مصر بعد تلك الكارثة.
أما انقلاب إسطنبول، وهو في تموز/ يوليو أيضا، فقد كلمني أحد الزملاء وهو في قمة التوتر، وقال لي إن تركيا قد حدث فيها انقلاب عسكري، وأن الدبابات تحاصر المطار. فتحت التلفاز لأجد صورة الدبابات أمام بوابة مطار أتاتورك.. ولمدة دقيقة أو أكثر، لا أدري فعلا، توقفت تماما عن الاتصال بالعالم.. حالة ربما لم أجربها من قبل، أغلقت الهاتف وفي نفسي جملة... لا ليس مرة أخرى... فقد عشنا انقلابا في مصر ولا يمكن أن تتكرر الكارثة مرتين. استطاعت تركيا تجاوز الأزمة، وربما الاختلاف أن الانقلاب التركي كان قبل انتخابات 24 حزيران/ يونيو التركية، بينما انقلاب مصر بعد انتخابات حزيران/ يونيو النسخة المصرية.
هذا الحديث ليس لاجترار آلام الماضي، ولكن لطرح عدة أسئلة حول ماذا لو فشل انقلاب مصر أيضا، والهدف هو محاولة إظهار حجم الكارثة التي لم تحل فقط بمصر، ولكنها حلت بالمنطقة بأسرها.
أولا: هل كانت الثورة الليبية ستجد حفترها والدعم القادم له من مصر؟
ثانيا: هل كان سيتم إخلاء المنطقة الحدودية الشرقية لمصرح رفح والشيخ زويد، وغيرها من القرى، لصالح الصهاينة؟
ثالثا: هل كانت غزة ستحاصر بهذا الشكل الإجرامي من النظام المصري؟
رابعا: هل كان التعاون مع تركيا والسودان ممكنا؟ وإذا كان ممكنا، فما هو العائد المتوقع من ذلك لصالح الشعب المصري والشعب السوداني والشعب التركي؟
خامسا: هل كانت مصر ستفقد جزيرتي تيران وصنافير والسيطرة على خليج العقبة؟
سادسا: هل كنا سنكون الدولة الثالثة في العالم في استيراد أسلحة؛ لا نعلم مكانها ولا أسباب هذا السفه في الاستيراد؟
سابعا: هل كنا سنفقد حقول الغاز في البحر المتوسط بعد ترسيم الحدود البحرية؟
ثامنا: هل كانت مصر ستقيم مع القوى الكبرى في الإقليم (تركيا وإيران) نوعا من التعاون ربما كان يحمي الثورة السورية مما فعله الإجرام الإيراني والروسي؟ أم ستصبح كما هي الآن تابع لذيول خليجية متقزمة في طريقها للفناء وللأبد؟
الحقيقة أن هناك المئات من الأسئلة، وليس الهدف منها الإجابة، بقدر ما هو تحديد لأحد أهم أسباب الانقلاب العسكري في مصر، فهو تدمير لقوة ناشئة تمتلك من القوة البشرية والمادية ما يمكّنها من إعادة توزيع مراكز القوى بالمنطقة، وربما ما هو أكثر من ذلك.
نجح الأتراك في تموز/ يوليو كما نجحوا في حزيران/ يونيو، أما المصريون فقد نجحوا في يونيو، ولكن العسكر ومن وراءهم نجحوا في يوليو نجاحا مرحليا، إلا أن الانتصار الأكبر هو انهيار الصنم الوطني الأعظم في مصر، ألا وهو مؤسسة ما تسمى بالجيش؛ فقدت ما لها من رصيد، بل وأصبحت مدينة لمصر وشعبها بالكثير، ويبدو أنها لن تستطيع دفع ما عليها، والشعب في طريقه لكسر الحصار الذهني إلى الأبد، وبعدها سيكسر كل القيود بالتتابع.