لماذا فرحنا بفوز
أردوغان؟
فوز أردوغان ليس حدثا
تركيا فقط، بل إن انظار العالم كله توجهت صوب تركيا وترقبت النتائج، ولما فاز أردوغان، فرح المخلصون في تركيا وخارجها من المستضعفين، وتمنوا وقالوا لو أن لدينا في
العالم العربي أردوغان بنسخة عربية ليناصر الضعفاء. وهذا الفرح عبروا عنه بطرقهم الخاصة، فرأينا منشورات ومقالات وصورا وفيديوهات تعبر عن فرحة عارمة بفوز الرجل الذي يقف في وجه الخطأ بكل قوة.
وعلى الجانب الآخر من النهر، كان الكثيرون من المنافقين والمعارضين والذين في قلوبهم حقد من عرب وعجم ينتظرون غرق سفينة أردوغان ليظهروا شماتة كبيرة فيه، ولما جاءت رياح الشعب بما لا تشتهي سفنهم، أخرجوا من كنانتهم سهام الحقد على أردوغان. ورغم أنهم يتظاهرون باحترامهم للديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن تأملا بسيطا في سلوكياتهم يجد أنهم بعيدون عن معتقداتهم بعد السماء عن الأرض.
إن أردوغان لم يرق للكثيرين الذنين كرهوا سياسته، ليس لأنها عقيمة، أو أنه فاسد، بل لأنه انتهج نهج الاستقلالية في كل شيء قدر الإمكان ولم يرغب بالبقاء في بوتقة العبودية، لذا لم يرق لهم بقاء محبته في قلوب الناس وبقاء نجمه في سماء الإنجازات، فتآمروا ضده كي يطيحوا به من خلال افتعال أزمات داخلية وخارجية وتأليب المعارضة ودعمها ضده، لكن معية الله ثم قلوب المخلصين من الأتراك وغيرهم، كانت سدا منيعا لمؤامرات امريكا وعبيدها، لدرجة أن عضو مجلس النواب الأمريكي "آدم شيف" طالب في تغريدة عبر تويتر "لا تهنّئوا أردوغان".. لماذا؟ لأنه حسب زعمه "نجح في
الانتخابات عبر اعتقال المعارضين واستخدام العنف والحد من حرية الإعلام، وإن انزلاق تركيا نحو الأوتوقراطية، يذكرنا مجددا بأن النظام الديمقراطي في العالم يتعرض للاعتداء".
الكيان الصهيوني أيضا من أكثر من تضرر وشعر بالإهانة من فوز أردوغان، وكانوا يستعدون بشغف لمرحلة ما بعد أردوغان والدخول إلى صناع القرار الجدد فيها، وإعادة صياغة فلسفتها السياسية بما يتواءم مع مشاريع إسرائيل التوسعية، التي تسعى إلى تحييد تركيا عن مساعدة حماس وغيرها من أعداء إسرائيل.
لم تكن دولة الاحتلال وحدها من شعرت بالإهانة، بل قد شاركها الحزن دعاة
الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان في العالم العربي، فبدؤوا بإثارة الكثير من الشكوك والتساؤلات في محاولة منهم لتقليل حجم وأهمية الفوز الذي حصده أردوغان، من قبيل؛ إن فوز أردوغان هو ترسيخ لحكم دكتاتوري بنكهة شعبية، وأن تقديم موعد الانتخابات التركية كان تكتيكا من أردوغان للحصول على تجديد شرعيته، التي ظن هذا البعض أنها تآكلت بفعل الإجراءات التي نفذتها تركيا ضد قادة الانقلاب وأنصاره، وأن هذه الانتخابات تجري في ظل فرض قانون الطوارئ الذي فرضته الحكومة منذ محاولة الانقلاب عليها، وأنه كيف يدعي أردوغان أنه نظام إسلامي، وفي تركيا بيوت دعارة وأوكار للمخدرات؟ وأن علاقات قوية تربط تركيا مع إسرائيل؟
لنفترض صدق وحسن نية من طرح هذه الآراء، سأوجه أسئلة: أين الديكتاتورية التركية ونحن في عالمنا العربي قد فقدنا معنى الحرية لأننا لا يُسمح لنا بممارستها في أدنى مستوياتها؟ ثم لماذا الاستغراب من فكرة تقديم الانتخابات؟ أليس هذا السلوك السياسي متبع في دولة الكيان الصهيوني التي تتغزلون بها جهارا نهارا؟ ثم كم مرة جرت انتخابات عادية ونزيهة في الدول العربية منذ استقلالها حتى نقول إننا نريد انتخابات مبكرة، ونحن الذين لا نعرف من الانتخابات وعنها إلا نتائجها التي تصل إلى 100 في المئة لصالح الزعيم؟ وبخصوص حالة الطوارئ، ألم نقض أعمارنا في حالة الطوارئ؟ ومع ذلك لم يتحقق الأمن للمواطن ولم تتحقق نهضة ولا تنمية، وبخصوص الدعارة والفساد، هل نسي هؤلاء أم تناسوا أن دولنا العربية من المحيط إلى الخليج فيها ما لذ وطاب من ضروب الفساد المختلفة ألوانه؟ وبخصوص العلاقة مع الكيان الصهيوني، فإن حالة اللهاث العربي لنسج تطبيع معها تحت أي مسميات، لا تخفى على أحد.
في تركيا وجدت انتخابات وديمقراطية يشهد لها الجميع، ووجدت حالة الطوارئ التي فرضتها الحاجة المنطقية وليس رغبة ومزاج الحاكم، ورغم ذلك وجدت نهضة وتنمية، بينما في عالمنا العربي لا توجد انتخابات ولا ديمقراطية وتوجد حالة طوارئ على مدار الساعة، والنتيجة "النهضة والتنمية تصل إلى الصفر".
ختاما، أُذكر من دخل قاعة الديمقراطية وعزف على وتر حقوق الإنسان في صياغة وتقرير مصيره ومصير شعبه ووطنه؛ بضرورة تحقيق أقصى قدر ممكن من الانسجام بين ما يعتقد وما يمارس، وألا تكون معتقداته تسير في قطار، وسلوكياته في قطار آخر.