لم يتعرض شعب في التاريخ الحديث لمثل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من اضطهاد منهجي وتآمر مخطط شمل التطهير العرقي، والاستعمار الإحلالي الكولونيالي، والاحتلال العسكري، والتمييز العنصري، وصولا إلى إنشاء منظومة الأبارتهايد الأسوأ في التاريخ البشري، لكن كل ذلك الاضطهاد لم يفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، أو في إضعاف تمسكه بالبقاء في وطنه، أو في الإصرار على تحقيق حلم العودة لمن هجروا قصرا منه.
والأهم من ذلك، أن كل المصاعب والنكسات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني لم تضعفه، بل قوت حلمه الجماعي ببناء وطن حر اسمه فلسطين.
لكن الفلسطيني الذي عاش ويلات لا تعد ولا تحصى لا يحلم بمجرد وطن، بل يحلم بوطن يستحق كل التضحيات الباهظة التي قدمها، ويرتقي إلى مستوى عطاء مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، ويحقق آمال الأمهات اللواتي لم يبخلن في العطاء والتضحية، والشباب الذين ناضلوا من أجل مستقبل أفضل، واستحقوا وطنا تطابق خصائصه دعواتهم من أجل الحرية الحقيقية.
الفلسطيني يحلم بوطن حر خال من الاحتلال، والتمييز العنصري، والمستوطنات الاستعمارية، ويحلم بوطن لا جدران فيه ولا حواجز ولا تقطيع للأوصال، ولا مداهمات أو اعتقالات ليلية، ولا حدود مغلقة أو تفتيشات مهينة، كما يحلم بأن يعامل باحترام مثل سائر البشر في المطارات وعلى الحدود، وفي الموانئ والمعابر.
لكن الفلسطيني يحلم أيضا وإلى جانب التحرر من الاحتلال بوطن تتحقق فيه وحدة الأرض والشعب، وتسود فيه الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير والحق في التظاهر، ويُحترم فيه القانون، ويُفصل فيه بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتقبل فيه التعددية واختلاف الآراء والاجتهادات، وتجري فيه الانتخابات الديموقراطية دوريا، وتحترم نتائجها دون السماح بوقف دوريتها، ويقبل فيها حق الأغلبية وتصان معه حقوق الأقلية، ويتعاون فيه الجميع بروح الجبهة الموحدة في مواجهة الاعتداءات والمؤامرات الخارجية.
والفلسطيني يحلم بوطن تُحترم فيه كرامة الإنسان رجلا كان أو امرأة، ويُحرَمُ فيه الاعتداء على الناس، أو المس بكرامتهم، أو التشكيك في وطنيتهم ومقاصدهم عند حدوث اختلاف في الرأي أو الاجتهاد.
الفلسطيني يحلم بوطن خال من الواسطة والمحسوبية، يُقيم فيه الناس بحسب كفاءتهم، وعطائهم، وإخلاصهم، ويعطوا جميعا فرصا متكافئة في التعليم، والعمل، والأجور، وفي تلقي الخدمات الصحية بغض النظر عن فقرهم، أو غناهم، أو اسم عائلاتهم.
والفلسطيني يحلم بوطن يفاخر به العالم، ودول المنطقة بعد أن ساهم ببناء عدد كبير منها، وطن عادل يجذب إليه أفئدة ودعم كل الفلسطينيين المنتشرين في أنحاء المعمورة ليعززوا بنيانه.
الفلسطيني يحلم ليل نهار بالحرية التي يتعطش لها، وناضل من أجلها، وبذل الغالي والرخيص للوصول إليها، فلا تحرموه من حلمه بوطن يحققها.
الحياة اللندنية