أكد خبراء اقتصاديون أن الشريحة الجديدة التي سوف تحصل عليها مصر خلال الأيام القادمة من صندوق النقد الدولي والتي تقدر بملياري دولار، سيتم إيداعها في الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، الذي يقوم بدوره بتحويلها لوزارة المالية بالجنيه المصري لسد عجز الموازنة الجديدة 2018/2019.
وأشار الخبراء الذين تحدثت معهم "عربي21" أن الدفعات السابقة التي حصلت عليها مصر تقدر بثماني مليارات دولار، وبخلاف الدفعة الجديدة يتبقى لمصر ملياري دولار هي آخر دفعات القرض الذي وقعته مصر عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار، لسد الفجوة التمويلية بالموازنة العامة والتي قدرها الصندوق بـ 12 مليار دولار.
وطبقا للخبراء فإن قرض الصندوق سوف يدعم الموازنة التي تبدأ أول تموز/ يوليو المقبل بمبلغ 35.6 مليار جنيه، وهو المبلغ الذي سيتم ضخه بعد قرارات الحكومة المصرية برفع الدعم بنسب تترواح من 25 % إلي 240% على مختلف الخدمات التي يستفيد منها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وأبرزها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء ومياه الشرب، بما يوفر 50 مليار جنيه (2.9 مليار دولار) طبقا لتصريحات وزير المالية المصري محمد معيط.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفي عبد الباسط لـ "عربي21" أن صندوق النقد الدولي حدد 6 شروط يجب على الحكومة المصرية تنفيذها لمنحها القرض ومساعدتها في علاج عجز الموازنة، أهمها رفع الدعم النقدي وتحرير سعر الصرف وتقليل عدد موظفي الدولة، على أن يمنح مصر القرض المتفق عليه ويمنحها كذلك شهادة ضمان للاقتراض من البنوك والهيئات الدولية.
ويشير عبد الباسط إلى أن الشعب لم يشعر حتي الان بعائد الشرائح التي حصلت عليها الحكومة من الصندوق وقيمتها ثمانية مليارات دولار، بما يعادل 143 مليار جنيه، بخلاف الشريحة الأخيرة وقيمتها 2 مليار دولار التي ستدخل الموازنة بداية العام المالي الجديد، لأن هذه الأموال يتم الاستفادة منها في سداد الديون الخارجية والتي وصلت لأرقام مخيفة خلال السنوات الخمس الماضية، وما يؤكد ذلك ارتفاع معدلات التضخم لتصل إلي 13% في بعض الأحيان، وعدم وصول معدلات النمو لـ 5.5% كما توقع الصندوق ووصولها لـ 4.2% فقط.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن قرض صندوق النقد هو دين علي الحكومة المصرية يجب عليها سداده خلال عشر سنوات من انتهاء آخر شريحة بفائدة تصل إلي 2.7%، وبالتالي فإن ما تحصل عليه مصر من الصندوق ويتم إضافته للاحتياطي من النقد الأجنبي يعتبر وهمًا، خاصة وان اشتراطات الصندوق بعيدة عن مساعدة الاقتصاد المصري في التحول من اقتصاد ريعي لاقتصاد انتاجي.
وفيما يتعلق بعدم اعتراض الصندوق على توسع الحكومة بالاقتراض خلال السنوات الماضية، أشار عبد الباسط إلى أن الصندوق وظيفته الأساسية منح القروض ومساعدة الدول فى الحصول على القروض من الهيئات الأخري، وبالتالي فسياسته قائمة على دعم الاقتراض، وهو أمر مقصود منه تكبيل الدول وإدخالها ببيت الطاعة الدولية واستخدام القروض وشروط سدادها كورقة ضغط على الحكومات لعدم الخروج عن النص المكتوب لها.
ويوضح عبد الباسط أن الحكومة المصرية تتلاعب بالشعب معتمدة علي أرقام ونسب كثير منها غير صحيح، وهو ما ينطبق على تصريحات رئيس البنك المركزي طارق عامر والذي أكد أكثر من مرة أن الدين العام في الحدود الآمنة، بينما تكشف البيانات التي يعلنها البنك بنشراته الدورية أن الديون الخارجية ارتفعت بنسبة 5% نهاية 2017، وبلغ حجم الدين 83 مليار دولار بزيادة 3.9 مليار دولار عن 2016، رغم سداد الحكومة ما قيمته 30 مليار دولار قروض وفوائد مستحقة عليها.
ودلل الخبير الاقتصادي على كلامه بأن صندوق النقد رفع توقعاته للدين الخارجي لمصر، خلال العام المالي المنتهي، ليصل 34.6% من الناتج الإجمالي، بدلا من 28.7% كان يتوقعها فى تقرير المراجعة الأولى بأيلول/ سبتمبر 201، متوقعا أن ترتفع نسبة الدين الخارجي لـ 30.3% من الناتج المحلي خلال الموازنة الجديدة، بدلا من توقعاته السابقة 26.2%.
من جانبه أكد نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق زياد بهاء الدين أن مشكلة مصر تتمثل في سياساتها المتبعة وعجزها عن تنظيم الأسواق والرقابة عليها ومنع الاستغلال والاحتكار من جانب التجار والمستوردين، وفشلها في فتح قنوات المنافسة لصغار المنتجين والموزعين ليستطيع السوق تصحيح بعض هذه التجاوزات.
وأضاف بهاء الدين في دراسة موسعة نشرتها جريدة "الشروق" المصرية الثلاثاء، أن الحكومة اكتفت بالتحسن في بعض مؤشرات الاقتصاد الكلية وتعتبرها كافية لتحقيق انتعاش اقتصادي وخلق فرص عمل ورفع مستوى معيشة المواطنين دون اتخاذ ما يلزم لتحفيز الاستثمار المحلى قبل الأجنبي وتشجيع القطاع الخاص لسد الفجوة الاستثمارية.
وقال بهاء الدين إن "الحكومة اعتمدت في إدارتها للاقتصاد على مبدأ أن سكوت الناس وعدم خروجهم للتظاهر دليل على الرضا واستتباب الأمن والاستقرار، وهو افتراض غير حقيقي لأن سكوت الناس ليس معناه الرضا على الاطلاق".