اقترب موعد إجراء
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي ستطوي صفحة في السياسة التركية وتفتح أخرى؛ عنوانها النظام الرئاسي، واحتدمت المنافسة بين
الأحزاب. ويسعى جميع المرشحين إلى كسب ود الناخبين وأصواتهم، سواء عبر البرامج التلفزيونية أو التجمعات الجماهيرية. وينتظر الناخبون داخل البلاد 24 حزيران/ يونيو للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
التصريحات التي تصدر من قادة المعارضة، بالإضافة إلى مقالات الكتاب المقربين منها، تثير علامات استفهام حول حقيقة أهداف المعارضة التركية، وتدفع المراقبين إلى طرح هذا السؤال: ماذا تريد أحزاب المعارضة بالضبط في هذه الانتخابات؟
المتأمل في استراتيجية المعارضة يرى أنها مبنية على تشتيت الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، في محاولة لنقل المعركة الديمقراطية إلى الجولة الثانية. لذلك، قدم كل حزب من أحزاب المعارضة مرشحه، بدلا من التوافق حول مرشح مشترك؛ لأن قادة المعارضة يتوقعون أن يصوت الناخبون في الجولة الأولى لمرشحي الأحزاب التي يؤيدونها، بغض النظر عن حجم تلك الأحزاب أو فرصة فوز مرشحيها في الانتخابات. وكذلك يرون أن الناخبين قد يصوتون لمرشح حزب
العدالة والتنمية، رئيس الجمهورية رجب طيب
أردوغان، إن لم تقدم الأحزاب التي يؤيدونها أي مرشح للانتخابات الرئاسية. وإن نجحت المعارضة في نقل المعركة إلى الجولة الثانية، فستدعم جميع أحزابها المرشح الذي سينافس أردوغان فيها. وقد يكون ذاك مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه أو رئيسة الحزب الصالح ومرشحته ميرال أكشنير.
حزب السعادة حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 على حوالي 0.7 في المئة من أصوات الناخبين. وترشح رئيسه تمل كارا مولا أوغلو للانتخابات الرئاسية، بدلا من إعلان دعمه لأحد مرشحي الأحزاب الأخرى التي شكل معها حزب السعادة تحالفا انتخابيا. ولا يتوقع أن يحصل كاراموللا أوغلو في هذه الانتخابات على أكثر من 1 أو 2 في المئة من الأصوات. ولكن الهدف من خوضه للانتخابات الرئاسية هو أن لا تذهب تلك الأصوات إلى أردوغان.
الهدف الثاني من استراتيجية المعارضة، أن تسيطر على البرلمان التركي. وفي هذا الإطار، تسعى إلى نقل الأحزاب الصغيرة إلى البرلمان عبر التحالف الانتخابي، بالإضافة إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي من تحت الطاولة، ليتمكن من تجاوز الحاجز الانتخابي (10 في المئة). ولذلك، تدعو أقلام مؤيدة لحزب الشعب الجمهوري أنصار الحزب إلى التصويت في هذه الانتخابات لحزب الشعوب الديمقراطي كي يدخل البرلمان؛ لأن وجود حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان سيغير خارطته ويكون لصالح المعارضة.
قد يسأل سائل: "لماذا لم ينضم حزب الشعوب الديمقراطي إلى التحالف الانتخابي الذي شكلته أحزاب المعارضة؟". الجواب يكمن في هوية هذا الحزب الذي يعد ذراعا سياسيا لحزب العمال الكردستاني. ويعني انضمامه إلى التحالف بشكل علني دفع الناخبين الأتراك القوميين إلى عدم التصويت لصالح تحالف المعارضة، ولذلك يجري التحالف معه خلف الستار.
رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، من خلال دعمه لحزب الشعوب الديمقراطي، يسعى إلى ضرب عصفورين بحجر واحد. العصفور الأول، هو أن يدخل حزب الشعوب الديمقراطي البرلمان ليحرم حزب العدالة والتنمية من الحصول على عدد أكبر من المقاعد. وأما الثاني، فهو أن لا يحصل مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه في الجولة الأولى على نسبة أكبر مما حصل عليها كيليتشدار أوغلو في الانتخابات الأخيرة. لأن محرم إنجه قد يجبر كيليتشدار أوغلو على التنحي من رئاسة حزب الشعب الجمهوري إن حصل على نسبة أكبر مما حصل عليها هذا الأخير.
إنجه كان يقول في الأيام الأخيرة إنه سيفوز في الجولة الأولى، وهذا يعني أنه يدَّعي بأنه سيحصل على أكثر من 50 في المئة من أصوات الناخبين. إلا أن كليتشدار أوغلو كشف أن شعبية إنجه حوالي 30 في المئة فقط، وهذا يعني تكذيبا صريحا لقول إنجه، ويعني أيضا أن هناك حسابات معقدة لدى المعارضة؛ بعضها متعلقة بالانتخابات الرئاسية، والأخرى بالانتخابات البرلمانية، والثالثة بالصراعات الداخلية.