شهدت الآونة الأخيرة انتخابات في عدة دول عربية وإسلامية، والمفاجأة الكبرى في ماليزيا التي كانت بمثابة زلزال أطاح برأس نظام فاسد، وهو نجيب رزاق رئيس وزراء ماليزيا السابق، وإعادة مهاتير محمد، باعث نهضة ماليزيا ومؤسس دولتها الحديثة، لحكم البلاد بعد 15 عاما من استقالته من منصب رئيس الوزراء الذي استمر فيه ما يقرب من ربع قرن؛ استطاع أن ينقل فيه ماليزيا من بلد زراعي يعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاع الصناعة فيها بنحو 90 في المئة من إنتاجها المحلي، لتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة حوالي من 85 في المئة من إجمالي صادراتها، فيما شهدت البلاد خلال هذه الفترة ازدهارا ونموا اقتصاديا، مما أحدث طفرة غير عادية في ارتفاع دخل الفرد الماليزي.
حكم البلاد بقبضة من حديد، وكان يرى أن المستبد العادل ضروري في هذه المرحلة التي تبنى فيها البلاد كي يستطيع أن يحقق كل طموحاته ويحدث النهضة المنشودة
ولم يكبل مهاتير بلاده بقروض صندوق النقد الدولي، ولم يحمّل الأجيال القادمة أعباء ديونه. فقد كان يرى في هذا الصندوق شكلا جديدا من أشكال الاستعمار الاقتصادي للدول النامية أو دول العالم الثالث. وقد كان من أشد المناهضين للعولمة، فاستحق بجدارة أن يكون أكثر زعماء آسيا تأثيراً في العالم. ولكن هذا لا يمنع من أنه حكم البلاد بقبضة من حديد، وكان يرى أن المستبد العادل ضروري في هذه المرحلة التي تبنى فيها البلاد كي يستطيع أن يحقق كل طموحاته ويحدث النهضة المنشودة، فكان من جراء ذلك أن تخلص من نائبه ورفيقه في النهضة، "أنور إبراهيم"، الذي كان من أهم أولوياته الحفاظ على هوية ماليزيا الإسلامية، فكان منذ شبابه يعمل على ترسيخ هذا المفهوم، فنجده عام 1973 يشكل حركة الشباب المسلم، التي كانت بداية انطلاقه في عالم السياسة، ومهدت له الطريق ليكون أبرز الوجوه السياسية الصاعدة على الساحة الماليزية.. في الوقت ذاته، كان نجم "مهاتير محمد" كسياسي يملأ سماء ماليزيا.
وحدث الخلاف بين الرجلين على أثر الأزمة الاقتصادية التي ضربت شرق آسيا في التسعينيات، والاتهامات المتبادلة بينهما، والتي على أثرها أقاله "مهاتير محمد" من مناصبه السياسية وزج به في السجن بتهم ظالمة ومسيئة له كسياسي، ولكنها لعبة السياسة التي جعلته يتحالف معه مرة أخرى في الانتخابات الأخيرة، والتي شكلت قوة ضاربة للمعارضة، وغير متوقعة للحزب الحاكم، خاصة بعد العداء الشديد بين الرجلين، والذي استمر 18 عاماً، ولكنهما
استطاعا أن يطويا تلك الصفحة ويبدآ صفحة جديدة مكنتهما من الفوز في الانتخابات والإطاحة بنجيب رزاق، رئيس الوزراء السابق
المدعوم من السعودية والإمارات.
يحسب لمهاتير محمد أنه سار عكس التيار السائد عالمياً؛ المعادي للتيار الإسلامي
ويحسب لمهاتير محمد أنه سار عكس التيار السائد عالمياً؛ المعادي للتيار الإسلامي، وتحالف مع أنور إبراهيم المحسوب على الإخوان المسلمين.
ونفذ مهاتير محمد أول وعوده مع أنور إبراهيم عقب فوزه مباشرة،
وطلب عفوا ملكيا عنه، في أول قرار يأخذه كرئيس للوزراء، واستقبله مباشرة بعد الإفراج عنه.
كان فوز "مهاتير محمد" ضربة قاضية للمحمدين (بن زايد وبن سلمان)، وليا عهد السعودية والإمارات، المتآمرين على الأمة، والممولين لكل الثورات المضادة والأنظمة والحركات المعادية للتيار الإسلامي، لذلك أغدقوا مليارات الدولارات كي يفوز نجيب رزاق في الانتخابات، ووقفوا بقوة أمام تحالف المعارضة لمنعها من الوصول للحكم، ولكن كل خططهم ومؤامراتهم باءت بالفشل، وذهبت ملياراتهم هباءً!
كان فوز "مهاتير محمد" ضربة قاضية للمحمدين (بن زايد وبن سلمان)، وليا عهد السعودية والإمارات
ولقد كانت هناك اتهامات للسعودية والإمارات بغسل الأموال
عبر صندوق يترأسه "نجيب رزاق"، وبخسارته الانتخابات تكون خسارة مضاعفة للبلدين، مما يشكل توتراً في العلاقات بينهما وبين النظام الجديد في ماليزيا. أضف إلى ذلك، أن مشاركة ماليزيا في عهد نجيب رزاق الموالي للسعودية، في التحالف العربي في اليمن تعتبر تحديا يطرح نفسه أمام نظام الحكم الجديد.. هل سيستمر هذا التحالف رغم غضب مهاتير محمد من السعودية ومن الهبة التي أعطتها لنجيب رزاق والتي تقدر بـ681 مليون دولار؟ في تقديري لن يستمر مهاتير محمد في هذا التحالف، وسيخرج ماليزيا من العباءة السعودية، ويعيد لها استقلاليتها، ويكمل نهضتها التي بدأها..