نشر موقع "
الأوردن مونديال" الإسباني تقريرا، تحدث فيه عن تصاعد التوتر بين
مصر والسودان، الجارتين اللتين حافظتا تقليديا على نزاعات إقليمية بينهما. في الأثناء، تفاقم هذا التوتر بالتزامن مع العديد من التغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وتغيير الخرطوم لموقفها من بناء سد النهضة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن تصاعد التوتر في البحر الأحمر لم يتخذ منحى خطيرا إلا بعد الأزمة الدبلوماسية في الخليج العربي والزيارة الأولى للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى
السودان. ويختفي وراء هذا التوتر الرغبة في إعادة تنظيم مناطق النفوذ ذات الأهمية الجيواستراتيجية والجيوسياسية والعسكرية المتزايدة في المنطقة.
وبين الموقع أنه منذ استقلال السودان، تعددت الأسباب التي عكرت صفو العلاقات المصرية السودانية. وفي مرحلة أولى، تمسكت الجارتان بنزاع إقليمي حول منطقة حلايب، الواقعة على ساحل البحر الأحمر. وساهم الجدل القائم حول سد النهضة في جعل هذا التوتر بين مصر والسودان أكثر بروزا.
وقد وصل الأمر إلى حد اتجاه البلدين نحو نزاع مسلح. وقد أكدت بعض المصادر أن مصر كانت على وشك إرسال قوات إلى إريتريا بالقرب من الحدود السودانية، بعد زيارة رجب طيب أردوغان إلى السودان. وفي ظل هذا الوضع، أغلق السودان حدوده مع إريتريا وعمل على نشر آلاف الجنود في منطقة كاسلا الحدودية.
وأورد الموقع أن النزاعات الإقليمية بين مصر والسودان تعود إلى الفترة الاستعمارية، عند ترسيم الحدود المصرية السودانية خلال سنة 1899. وبعد استقلال السودان، ركزت كلتا الجهتين جهودهما على المطالبة بأكثر المناطق ثراء وأغناها، ألا وهي مثلث حلايب.
منذ ذلك الحين، تراوحت العلاقات بين البلدين بين التوتر والهدوء، وذلك وفقا للوضع السياسي في المنطقة. واستمر الوضع على حاله، إلى غاية قدوم السيسي إلى السلطة خلال سنة 2016، وقراره بنقل ملكية جزر تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية؛ ما دفع السودان إلى تقديم شكوى رسمية ضد مصر في الأمم المتحدة.
وأضاف الموقع أن المعطى الثاني الذي يفسر توتر العلاقات بين مصر والسودان يتمثل في بناء سد النهضة في الأراضي الإثيوبية، على بعد 40 كيلومترا من الحدود السودانية. وفي الوقت الذي رأت فيه إثيوبيا في السد فرصة لتعزيز اقتصادها، رفضت مصر هذا المشروع واعتبرته تهديدا على تدفق نهر النيل إلى أراضيها.
في ظل هذا الجدل، دعم السودان تقليديا الموقف المصري من أجل التمكن من الدفاع عن حقوقه التاريخية. ومع ذلك، تغير موقفه خلال سنة 2013، بعد قراره الانضمام إلى مبادرة حوض النيل التي تعزز خيار التوزيع العادل لموارد النيل والموافقة على بناء سد النهضة. لكن هذا الموقف عزز مخاوف مصر حول تحالف ممكن بين إثيوبيا والسودان لبناء سد لا يعزز مصالحها ويحرمها من امتيازاتها.
وكشف الموقع عن دور أزمة الخليج والتوسع التركي في منطقة البحر الأحمر في جعل هذا التوتر يتخذ منحى خطيرا. وقد امتدت الأزمة الدبلوماسية في الخليج العربي، التي تتهم قطر بزعزعة استقرار المنطقة، إلى الجانب الآخر من البحر الأحمر بحثا عن كتل متعارضة بهدف الاستحواذ على مناطق نفوذ جديدة.
وأورد الموقع أنه في الوقت الذي أظهرت فيه مصر منذ البداية دعمها للمحور السعودي-الإماراتي-البحريني، حاول السودان الحفاظ على علاقاته مع حلفاء المملكة العربية السعودية وعدوها قطر، على حد السواء. وعلى الرغم من محاولة السودان لعب دور الوساطة ومواصلة دعم التحالف السعودي في اليمن، إلا أنه لا يمكن إنكار علاقاته بالمحور القطري-الإيراني-التركي.
وبعيدا عن كون العلاقات القطرية السودانية اقتصادية بحتة، فقد كان للحكومة القطرية دور قيادي في مفاوضات السلام لإنهاء حرب دارفور. في المقابل، شهدت العلاقات السعودية السودانية نوعا من الفتور بسبب اعتراف الرياض بسيادة مصر على منطقة حلايب. وخوفا من التقرب السوداني للمحور القطري، غيرت الرياض من موقفها وساندت الخرطوم في مطالبها الإقليمية.
وأوضح الموقع أن تركيا جهة بالغة الأهمية بالنسبة للحكومة السودانية. علاوة على ذلك، تمكن أردوغان، الذي يسعى إلى زيادة نفوذه في المنطقة، من إبرام اتفاقيات مع السودان، تهدف إحداها إلى بناء قاعدة عسكرية تعزز وجود تركيا في منطقة البحر الأحمر. في الأثناء، أثار هذا الوضع مخاوف السيسي الذي تربطه علاقات متوترة مع تركيا وقطر على حد السواء.
وأضاف الموقع أنه على الرغم من التصعيد والخلافات الأخيرة بين البلدين، إلا أنه ليس من مصلحة كل من السودان ومصر الدخول في حرب مفتوحة. وفي ظل هذا الوضع، أصبح العداء المتزايد بين البلدين مؤشرا على عملية إعادة تنظيم مناطق النفوذ التي باتت أكثر أهمية بعد أزمة الخليج والتوسع التركي في منطقة البحر الأحمر.
وفي الختام، قال الموقع إن المملكة العربية السعودية وحلفائها قد تمكنوا من الحصول على دعم مصر وإريتريا والصومال وتشاد. ومن جهته، نجح المحور القطري في تعزيز علاقاته مع السودان وإثيوبيا. ومن المتوقع أن يتحكم الوضع على الجانب الآخر من البحر الأحمر في مجرى الأحداث وتطورها بين مصر والسودان خلال الأشهر المقبلة.