نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن اللاعب
المصري محمد
صلاح، الذي أصبح بمثابة الظاهرة الاجتماعية في مصر، وفخرا لكل مسلم. وعلى العموم، لم يحقق صلاح هذا المجد والصيت الواسع بفضل مهاراته الكروية فقط، بل كان لطباعه الفريدة من نوعها دور في ذلك أيضا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي 21"، إن الرياضات التي تتساوى فيها الفرص بين الجميع، مثل رياضة
كرة القدم، قليلة للغاية. وبالنسبة لهذه الرياضة، يكفي أن تكون هناك كرة وثلاثة أعمدة وأرض صالحة للعب. على هذا النحو، أصبح بإمكان الأطفال الذين يركضون حفاة في مزارع الأرز في قرية دلتا النيل ممارسة رياضة كرة القدم، على غرار أطفال قرية نجريج التي ولد فيها مهاجم فريق
ليفربول، محمد صلاح، منذ خمسة وعشرين سنة.
وأضافت الصحيفة أن صلاح أمضى موسما مميزا، سيختتمه بمواجهة فريق ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا يوم السبت المقبل. وتجدر الإشارة إلى أن صلاح ترك بصمته الخاصة في فريق روما. لكن، عند وصوله إلى ملعب أنفيلد خلال الصيف الماضي، لم توجد أي مؤشرات على أنه سيحقق رقما قياسيا في تسديد الأهداف التي بلغ عددها الاثنين والثلاثين، واختياره أفضل لاعب في البطولة، بالإضافة إلى تأهيل نادي ليفربول لنهائي كأس أبطال أوروبا.
وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات، لم يشعر صلاح بفرحة مماثلة كالتي أحسها عند تسديد الهدف الذي رشح مصر إلى كأس العالم، في الدقيقة الأخيرة من المباراة الحاسمة ضد الكونغو. نتيجة لذلك، أصبح اللاعب منذ تلك اللحظة معبود الجماهير المصرية، ما جعله يصل إلى مرتبة "القداسة" بين صفوف شعبه. ودليلا على حب الشعب المصري له، تشهد حركة المقاهي المصرية اكتظاظا كبيرا خلال مباريات فريق ليفربول.
وذكرت الصحيفة أن صلاح لم يلهم الآخرين بفضل مهاراته الكروية فحسب، بل حصد محبتهم بفضل سخائه وتواضعه، بالإضافة إلى التزامه الديني. وأورد أحد معجبي الفرعون المصري أن "صلاح يجسد الأخلاق التي يحب الشعب المصري أن يتباهى بها". كذلك، لم ينس صلاح قريته نجريج، ولم يتأخر عن مد يد المساعدة لها، حيث مول محطة لتنقية المياه؛ من أجل أن يتمكن جيرانه من الحصول على مياه صالحة للشرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصعود الباهر لمحمد صلاح جاء في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب المصري لمثال متميز يلين الفجوة الحادة بين الماضي المزدهر والحاضر المحبط. ويفسر ذلك بأن الدولة المصرية تعيش أسوأ حالاتها؛ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، والتعسف السياسي الذي لا يرحم.
فضلا عن ذلك، اعتبر المعلق الرياضي بشبكة بي إن سبورت، عصام الشوالي، أن صلاح أفضل سفير لمصر. وقد كسب صلاح محبة الجميع؛ نظرا لأنه تفادى كليا الإدلاء بتصريحات سياسية، كما أنه لم يلعب في أي من النوادي الكبيرة والمتنافسة في مصر، على غرار الأهلي والزمالك.
وأوردت الصحيفة أن تاريخ كرة القدم زاخر بقصص أطفال اعتنقوا المجد بفضل مهاراتهم الكروية، تاركين وراءهم حياة الفقر والبؤس. وفي هذا الصدد، صرح المصور الفوتوغرافي الفلسطيني أحمد مسناوي بأن "كل أطفال غزة يحلمون بأن يصبحوا صورة مماثلة لصلاح. كما أن هذا اللاعب بمثابة رمز جديد، ولم يتمكن أي لاعب عربي سابق من بلوغ المجد الذي حققه صلاح".
وسلطت الصحيفة الضوء على طقوس صلاح الدينية في الملاعب الأوروبية. ومن جهتها، أصبحت جماهير ملعب أنفيلد تعرف وتهتف كذلك لطقوس صلاح بعد تسجيل كل هدف، حيث يبتعد المصري عن رفاقه قليلا، ويسجد على العشب شكرا لربه.
كما أخذ محبو نادي ليفربول هذه الطقوس بعين الاعتبار في أغنياتهم، ما جعل البعض يردد: "إذا سجل مزيدا من الأهداف، أنا كذلك سأصبح مسلما". في هذا المعنى، اعتبر الشوالي أن "صلاح نجح في إرساء صورة جديدة للمسلمين، مختلفة عن الصورة المتداولة في وسائل الإعلام الغربية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالعنف والتعصب".
ختاما، نوهت الصحيفة بأن صلاح يحظى بفرصة أخرى من أجل إثبات أن كريستيانو رونالدو لا يفوقه مهارة، خلال مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا في العاصمة الأوكرانية، كييف. وفي حالة فوز صلاح، لن يكون الاحتفال فقط بين مهمشي النظام الجيوسياسي فحسب، بل أيضا بين المحرومين من عالم كرة القدم. وإلى يومنا هذا، من النادر جدا أن يصبح لاعب لا ينتمي إلى أوروبا أو أمريكا الجنوبية معبودا لدى الجماهير، ولكن من الممكن أن يصبح معبودا للمهمشين.