لم أصدق عندما قرأت في البداية تعليقات على ما قدمه الداعية عمرو خالد في إعلان تليفزيوني لصالح إحدى شركات إنتاج وبيع الدجاج، للوهلة الأولى تصورت أنه كلام من نوع ما يسميه نشطاء التواصل الاجتماعي "الألش" والنكات، غير أني لما شاهدت الفيديو صعقت بالفعل من غرائبية ما شاهدت، وضربت كفا بكف، ما الذي يدعو عمرو إلى هذا الفعل الفاضح والبالغ السخافة، وهو ليس بحاجة إلى ذلك، لا في دينه ولا في دنياه، ما الذي يضطره إلى هذا الهوان والرخص في ممارسات مهينة جدا لأي رمز ديني أو داعية ينتسب إلى الدين، لقد كانت الترجمة المباشرة والوحيدة لما فعله في هذا الإعلان هو "التجارة بالدين"، هذا ما فهمه الناس ببساطة وهم محقون، وهي أبشع ألوان التجارة، والناس يمكنها أن تتسامح مع أي تجارة حتى لو غير مشروعة، لكنها من الصعب أن تتسامح مع من يتاجر بالدين لتسويق نفسه أو منتجات أيا كانت.
اعتذر عمرو خالد عن هذا الإعلان،
واعترف أنه أخطأ، وأنه يتحمل المسؤولية، وقال أنه بشر يخطئ ويصيب، وأبدى توبته واستغفاره،
وهذا كله جيد، لكن المشكلة أنه يضعها في سياق خطأ وصواب، والمسألة بذلك تبسيط مخل ومضلل،
لأن ما حدث هو فعل يحمل دلالة رمزية على منهج وتصور للدين ورسالته، ودور من يحمل الدعوة
إلى هذا الدين، إن ما حدث هو نتيجة كانت طبيعية لمن تصور أنه يمكنه أن يعزل الدين في
طبقة اجتماعية أو في نواد للنخبة أو للمترفين، الدين الذي لا يحملك أي مسؤولية تجاه
الناس، الدين الذي لا يحمل لونا ولا دلالة ولا ولاء ولا تضحيات من أي نوع، الدين الذي
يعزلك عن المستضعفين وعن المقهورين وعن ضحايا الإذلال والإفقار ونهب المال العام وإهدار
كرامة الإنسان، الدين الذي يعوضك عن شراء حبات "الترامادول" لتغييب العقل
أو تخدير النفس، الدين الذي لا ينصر مظلوما ولا يردع ظالما، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى
عن منكر، ولا يعرف لكلمة الحق موقعا عند أي مظلمة، والحقيقة أن هذا النوع من الخطاب
الديني كان فتنة للكثير من الناس، وعونا لانتشار الإلحاد والاستخفاف بالدين والنظرة
السلبية لمكانته ودوره، إنه خطاب ديني لا يصلح إلا لتسويق إعلانات بشكل مادي مباشر
أو بشكل معنوي.
عمرو خالد ليس وحده في هذه
الهوة السحيقة، وهذا الخلل، فهناك عدد آخر من الشباب الذي احترف تلك النوعية من الدعوة،
وإن كان عمرو هو الذي مهد الطريق لهذه النوعية من الدعاة الجدد في العالم العربي، وهو
الذي سن تلك السنة، وقد تلقفتهم بعض النظم التي لا تحمل أي ود للدين والتدين في العالم
العربي، ووسعت لهم في إعلامها، حتى إن أحدهم تعاقدت معه إمارة خليجية بملايين الدولارات
لشراء روايات له لتحويلها إلى أعمال فنية مزعومة، لأن تلك الأصوات تخدم الرؤية التي
تقدمها والتي تمثل حربا على الإحياء الإسلامي بكل صوره.
أخطأ عمرو دون شك، غير أن
بعض ما يتعرض له من حملات إعلامية مركزة لا يعود إلى غيرة على الإسلام وعلى الدين،
بقدر ما هو عملية "تأديب" له من قبل إحدى العواصم الخليجية التي سخطت عليه
لأسباب لن تعلن الآن، كما أنه يتعرض لحملة داخل مصر ذات خلفية سياسية محض، فعمرو غير
مرض عنه من قبل مراجع عديدة نافذة في مصر، وهناك حصار إعلامي مفروض عليه خلال الأعوام
الأخيرة داخل مصر، وهناك تعليمات لصحف كبيرة بعدم نشر أي أخبار تتعلق بعمرو خالد، هذا
كله نعرفه، ولكن في النهاية يتحمل هو المسؤولية الأولى والأهم، لأنه منح خصومه أداة
إهانته، لأنه أهان نفسه وأهان الرسالة التي يفترض أنه أمين عليها.
المصريون المصرية