أدعو النخب التونسية أن تستوعب الدرس وتحترم إرادة التونسيين
لا شيء يمنع قانونا ولا شرعا من ترشحي للرئاسيات
الأمهات العازبات ضحايا وأعتذر عن تقييمي الأخلاقي لهن
مهمة شيخ مدينة تونس أكثر من مجرد تشريف بروتوكولي
شغفها بعالم الطب والصيدلة منذ الصغر لم يمنعها من دخول معترك الحياة السياسية والنضال الطلابي في الجامعة، حيث انضمت للاتحاد العام التونسي للطلبة في الثمانينيات حين خاضت أشواطا من الحراك الطلابي وسجنت في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ثم عادت بعد الثورة إلى العمل السياسي كنائبة مستقلة ضمن كتلة حركة النهضة بالمجلس التأسيسي، واليوم تنتظر سعاد عبد الرحيم الصيدلانية والأم لولدين بشغف أن تكون أول امرأة في تاريخ البلاد تنصب على رأس بلدية العاصمة وتنال لقب "شيخ مدينة تونس" بعد فوزها كمستقلة ضمن قائمة النهضة عن بلدية تونس .
"عربي21" التقتها في مكتبها، حيث تحدثت عن علاقتها بحركة النهضة الإسلامية وردت على الانتقادات التي طالتها من النخب اليسارية بسبب تصريحات سابقة، وقيمت حظوظها لنيل منصب رئيس بلدية العاصمة الذي تتنافس فيه خصوصا مع مرشح حركة نداء تونس إثر أول انتخابات بلدية شهدتها البلاد بعد الثورة.
من عالم الصيدلة إلى غمار الحياة السياسية؛ كيف ذلك؟
أنا ابنة المعهد الثانوي بخزندار في العاصمة، درست هناك ثم توجهت بعد الثانوية العامة، لكلية الصيدلة في محافظة المنستير حيث كان والدي دائما يحفزني على هذه المهنة ويحلم أن يراني كذلك، ترشحت بعدها للمجلس العلمي كطالبة مستقلة في الكلية وتم انتخابي كممثلة للطلبة مرحلة أولى وهو ما قد يكون ساهم في تأهيلي لتحمل المسؤولية، وكنت من مؤسسي الاتحاد العام التونسي للطلبة وكان حلمي أن أساهم بقدر ما في إزاحة الصراعات الأيديولوجية المسيطرة على المناخ السياسي الطلابي آنذاك بين اليمين واليسار، وبعد تخرجي من الجامعة في التسعينيات انسحبت قليلا من الحياة السياسية لكن كان دائما النفس القيادي والعمل السياسي يسكن في.
انضمامك لحركة النهضة كمستقلة، هل أنت من اقترحت أم إن الدعوة وجهت لك من الحركة؟
مع اندلاع الثورة التونسية وسقوط نظام بن علي، تم استدعائي في شهر آذار/ مارس 2011 من قبل "جمعية المساجين السياسيين" بالمنستير لتكريم دفعة من المساجين السياسيين على اعتبار أني كنت في عهد بورقيبة قضيت فترة محكومية قصيرة في نفس السجن بسبب نشاطي الطلابي آنذاك، وحينها عدت قليلا للنشاط المدني ثم تمت دعوتي بشكل رسمي من قبل القيادة في حركة النهضة للترشح كمستقلة ضمن الحركة في انتخابات المجلس التأسيسي رغم عدم انتمائي بتاتا لحركة الاتجاه الإسلامي وما حفزني هو قبول الحركة حفاظي على صفتي كنائبة مستقلة.
برأيك ما هو سر قبول حركة النهضة الإسلامية لامرأة غير محجبة في الحزب؟ وماهي دوافعك لقبول دعوتهم سيما في ظل مناخ الرفض الذي خيم على بعض قواعد الحركة لشخصك ومظهرك؟
كان هدفي من الانضمام للحركة في ذلك الوقت إرسال رسائل طمأنة للشارع التونسي أكثر منها نيل منصب سياسي كنائبة سيما في ظل حالة التخوف التي سادت المجتمع بعد الثورة من الإسلام السياسي ومن تصاعد مخاوف بعض النخب من تغيير النمط المجتمعي بالتزامن مع عودة النهضة للنشاط السياسي، فكنت أعتبر نفسي بمثابة الضمانة لهؤلاء وقدرت اختياري من الحركة كامرأة غير محجبة كونه التزاما منها بعدم المس بمكاسب المرأة التونسية وقد أكون فعليا فتحت الباب للحركة للانفتاح على المجتمع التونسي ولقيامها بمراجعات شتى فضلا عن رغبتي من ناحية أخرى في صياغة أول دستور مدني معتدل للبلاد بعد الثورة يمزج بين محافظتنا على هويتنا الإسلامية وفي نفس الوقت يكون منفتحا وفيه سقف مرتفع للحريات.
لماذا لم تترشحي للانتخابات التشريعية في 2014 وترشحت مقابل ذلك للبلدية في 2018؟
صراحة بعد الانتهاء من صياغة الدستور، فضلت مجددا الانسحاب مؤقتا من العمل السياسي رغم دعوة حركة النهضة لي مرة أخرى للترشح في الانتخابات التشريعية كمستقلة ضمن كتلتها البرلمانية، وأردت أن أقوم بعملية تقييم شاملة، وانخرطت مقابل ذلك في العمل الجمعياتي والمدني كناشطة نسوية ومؤسسة لجمعيات مدافعة عن حقوق المرأة حيث كنت أؤمن بقدرتي على الإضافة وتحقيق الإفادة من باب الحراك المدني ومن باب أيضا تطبيق ما صغناه من فصول الدستور من باب تكريس المساواة والانحياز لقضايا المرأة التونسية وفي مقدمتها مناهضة العنف، ومن الأشياء التي دفعتني أكثر للترشح للانتخابات البلدية أني سابقا ترشحت كنائبة عن الكتلة البرلمانية للنهضة من قبل القيادة رغم تحرجها حينها من قواعدها والآن رشحتني القواعد –الكتاب المحليون للحركة في مختلف الجهات- وهو دليل على الثقة التي منحت لي والرضا من أدائي طوال عملي في المجلس التأسيسي ودعوتي الدائمة للتجميع لا للتفرقة لذلك قبلت الدعوة دون تردد سيما أن العمل البلدي يكتسي طابعا خاصا في تكريس ديمقراطية القرب وتكريس أبجديات السلطة المحلية.
القبول والرضا الذي تحدثت عنه من قبل قواعد النهضة قوبل برفض وحملة تشويه لشخصك من قبل نخب يسارية وصلت لنعتك بـ"الإخونجية". كيف تلقيت هذا الهجوم عليك؟
أهديت فوزي في الانتخابات البلدية لكل نساء تونس دون استثناء ومن رفض هذه الهدية بالمعنى الرمزي فهو حر، ودعوتي للنخب أن تستوعب هذا الدرس وما أفرزته إرادة الناخب التونسي الذي تجاوز كل الصراعات الأيديولوجية وخطابات الكراهية والتفرقة.
هل كنت ورقة رابحة لحركة النهضة في الفوز في الانتخابات البلدية؟
لست أنا من يقيم ذلك بل الشارع التونسي وشركات سبر الآراء وأنا قمت بدوري وواجبي، قد يكون هناك من صوت لشخصي وهناك آخرون من صوتوا لي بسبب ترشحي عن قائمة النهضة.
هل فعلا عرض عليك منصب وزاري في حكومة الشاهد مقابل تنازلك عن منصب شيخ مدينة تونس لمرشح نداء تونس؟
غير صحيح بالمرة وكلها شائعات، أنا متمسكة أكثر من أي وقت مضى بترشحي لمنصب "شيخ مدينة تونس" ولن أتنازل عن ذلك وفي حال استحال التوافق مع باقي أعضاء المجلس البلدي الفائزين من أحزاب أخرى ومستقلين فسأذهب مباشرة لآلية الانتخاب وألتزم بمخرجات الصندوق كما أني أدعو من منبركم هذا جميع القوائم الفائزة إلى تمكين المرأة من رئاسة البلديات في مختلف الدوائر البلدية .
ما الذي يدفع بسعاد عبد الرحيم للترشح مرتين على قائمة النهضة كمستقلة ولم تنخرطي رسميا في الحزب كقيادية؟
أعتبر أن التحزب فيه كثير من القيود والانضباط بالمعنى الحزبي وأنا بطبعي أميل للتعبير عن رأيي بكل حرية مع إيماني التام بأهمية الأحزاب في تونس.
هل فعلا قدمت اعتذارا عن موقفك السابق من قضية الإنجاب خارج إطار الزواج والأمهات العازبات؟
طرحت في سنة 2011 من قبل البعض فكرة إيجاد إطار قانوني للإنجاب خارج مؤسسة الزواج وصرحت حينها بأني أدافع عن كل ما هو قانوني وفهم كلامي على أنه إساءة للأمهات العازبات، لكني قدمت اعتذارا وقدرت أن تصريحي أخلاقي أكثر منه سياسيا وأعتبر النساء العازبات ضحايا.
كيف تقبلت تصريحات بعض النخب الحزبية والإعلامية حول رفضهم تعيينك "كشيخة مدينة تونس" بسبب جنسك وعدم انتمائك لسكان تونس العاصمة؟
هي تصريحات صنفت على أنها عنصرية وجهوية، وكلنا أولاد لتونس و"العروشية" أو النعرات القبلية قضى عليها الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة، قد تكون ردود فعل انفعالية تلزم أصحابها سيما أن نتائج الانتخابات شكلت صدمة وخالفت كل توقعات شركات سبر الآراء وما قيل حول وجود مانع شرعي وبروتوكولي من تواجدي ليلة القدر في المسجد.. هذه أمور ثانوية والمهمة الموكلة على عاتق شيخ مدينة تونس أكثر من مجرد تشريف بروتوكولي. أيضا القانون التونسي مكن عدل الإشهاد الأنثى من عقد قران في الجامع .
هل نرى سعاد عبد الرحيم في السنوات القادمة مرشحة في الانتخابات الرئاسية؟
لا شيء يمنع شرعا ولا قانونا، رغم أن قضيتنا الآن هي حول رئاسة بلدية تونس، حين صغنا دستور تونس لما بعد الثورة كان هناك إصرار على إضافة كلمة "مواطنة" إلى جانب "مواطن" من حقه الترشح لرئاسة الجمهورية درءا لأي تأويل أو اجتهاد قانوني.