نشرت صحيفة "لوفيف" البلجيكية تقريرا، تحدثت فيه عن الانفتاح الخجول للمملكة العربية
السعودية سياسيا ورياضيا. وقد عمدت الرياض إلى توظيف الترشح الذي أحرزه منتخب
كرة القدم لخوض غمار
كأس العالم في روسيا سياسيا.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إنه من خلال إمعان النظر في 32 منتخبا ترشحوا لمونديال روسيا 2018، يمكن استنتاج الترابط الكبير بين
السياسة وكرة القدم. من جهته، استغل النظام السعودي تأهل منتخب البلاد لكأس العالم، بعد غياب لمدة 12 سنة، من أجل الترويج للإصلاحات الجديدة داخل المملكة.
وتطرقت الصحيفة إلى التأثير الكبير لكرة القدم في المملكة السعودية، حيث تعتبر بمثابة "الدين الثاني". وفي الأثناء، يرغب ولي العهد السعودي في أن يلعب دور المفتي الأعظم والقائد الأعلى للمنخرطين تحت لواء هذا الدين. وقد فهم الأمير الشاب أن الطريق نحو السلطة يمر بالضرورة عبر كسب تأييد مشجعي كرة القدم من الشباب، وذلك من أجل إرساء سلطته المطلقة وتنفيذ مشروعه الذي يعرف برؤية 2030.
من جانبه، لاحظ الصحفي الأمريكي والباحث في معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، جيمس دورسي، أن "كرة القدم تعد المنافس الوحيد للدين الإسلامي في الشرق الأوسط". في السياق ذاته، أشار المعارض السعودي ومؤسس المعهد الخليجي، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، علي الأحمد، إلى أن "الشباب السعودي يرتاد ملاعب كرة القدم أكثر من المساجد".
وذكرت الصحيفة أن محمد بن سلمان كان في الموعد عندما خاضت السعودية اللقاء الحاسم ضد اليابان، المؤهل لكأس العالم في روسيا. في هذا الصدد، اقتنى ابن سلمان جميع تذاكر المباراة وأتاح للجماهير الدخول مجانا لملعب "الملك عبد الله" الدولي. واكتملت فرحة الجماهير بفوز منتخبهم بنتيجة 1-0 وضمان تذكرة العبور، الأمر الذي جعلهم يحتفلون بطريقة هستيرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التأهل أعاد إلى أذهان المشجعين السعوديين الذكريات الجميلة لكأس العالم بالولايات المتحدة سنة 1994. في ذلك الوقت، تمكن لاعب الوسط السعودي، سعيد العويران، من تجاوز الدفاع البلجيكي وغالط حارس المرمى ليمكن المنتخب السعودي من التأهل إلى الدور الثاني. لكن الحلم السعودي توقف أمام المنتخب السويدي. وكان ذلك بداية سلسلة من الأحلام بالنسبة للسعوديين، فقد ترشحوا أربع مرات متتالية لكأس العالم وأحرزوا ثلاثة ألقاب آسيوية. والآن، يأملون في الانفتاح مجددا على العالم.
وأضافت الصحيفة أن الأمل تلاشى تماما، عندما خرجت السعودية من الدور الأول لكأس العالم سنة 2006. واعتبرت تلك المشاركة بمثابة المسمار في نعش الكرة السعودية، حيث دخلت المنطقة في صراع جيوسياسي واختفى المنتخب السعودي عن الأنظار.
وحسب مجلة "سووفوت" الفرنسية، "تعاقب على المنتخب السعودي 43 مدربا ولم يصمد منهم أي مدرب في هذا المنصب خاصة وأنهم لم يستطيعوا التأقلم مع نفاد صبر الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم، ولا مع طبيعة المنتخب الخاصة للغاية، حيث أن تشكيلته تتضمن فقط لاعبين ينشطون داخل البطولة السعودية، الضعيفة نوعا ما، في حين كانوا يتقاضون مبالغ ضخمة لذلك لم يكونوا في الحاجة إلى المغامرة والاحتراف خارج البلاد".
وأفادت الصحيفة أن الفرق السعودية الرئيسية في البلاد، على غرار الأهلي السعودي والهلال، تخضع جلها لهيمنة أحد أفراد العائلة المالكة. كما تعكس وضعية الكرة السعودية بشكل واضح سياسة البلاد المحافظة والمتشددة، التي تحول دون استمتاع الشباب بشكل كامل. وفي ظل احتضانها لنحو 50 بالمائة من الشباب الذين يبلغون من العمر 25 سنة، فإن الوضع في البلاد بات ينبئ بإمكانية الانفجار.
وتحدثت الصحيفة عن السياسة الجديدة في المملكة، حيث يتبع ولي العهد السعودي منهجا يهدف لتحقيق المزيد من الانفتاح وذلك لتجنب أي اضطرابات، في ظل تواتر مع الضغوط الخارجية. كما يسعى محمد بن سلمان إلى اللحاق بركب القطريين، الذين سبقوا السعودية بأشواط. وقد تجلى ذلك بشكل خاص بعد فوز قطر بتنظيم كأس العالم سنة 2022.
وذكرت الصحيفة أن السعودية استقبلت العديد من الأندية العالمية لكرة القدم على غرار ريال مدريد ومانشستر يونايتد بغية الترويج للرؤية الجديدة التي وضعها ابن سلمان. كما أعلنت الإدارة النسائية للهيئة العامة للرياضة، التي تترأسها حاليا الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، أن النساء سيتمكن من حضور المباريات في ثلاثة ملاعب لكرة القدم.
وفي الختام، أفادت الصحيفة أن مشاركة السعودية في مونديال روسيا لهذه السنة ستسلط الضوء على الرغبة الحقيقية للأمير الشاب في إجراء إصلاحات جذرية في البلاد، كما ستكشف مدى مصداقية السلطة الحالية. في هذا الشأن، أفاد الصحفي الأمريكي، جيمس دورسي أن "أزمة الكرة السعودية تحيل إلى ضرورة القيام بإصلاحات من قبل النظام السعودي". عموما، من الواضح أن عدم الاستقرار المزمن في البلاد لم ينته بعد.