دفع قرار إجراء
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة اسم رئيس الجمهورية السابق عبد الله
غول مرة أخرى إلى الواجهة، كمرشح محتمل للمعارضة للتنافس مع مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، رئيس الجمهورية التركي الحالي رجب طيب
أردوغان، الذي يدعمه أيضا حزب الحركة القومية وحزب الاتحاد الكبير.
المؤشرات تشير حتى الآن إلى أن
غول سيعلن قريبا كمرشح مشترك للمعارضة، إن لم يغير رأيه في اللحظة الأخيرة. ولهذا الاحتمال دلالات عديدة، أولاها الثورة الديمقراطية التي حققها الشعب التركي ضد القوى العلمانية المتسلطة، وحوَّلت
تركيا من بلد يحظر الحجاب في مدارسه وجامعاته ومؤسساته الرسمية؛ إلى بلد يتنافس زعيمان لرئاسته وزوجتا كليهما محجبتان.
العلمانيون المتشددون، على رأسهم أعضاء حزب
الشعب الجمهوري، رفضوا ترشح عبد الله غول لرئاسة الجمهورية في 2007، ووضعوا أمامه عراقيل، بحجة أن زوجته محجبة. وها هم اليوم يتمسكون به ويرونه كـ"منقذ"، على الرغم من أنهم كانوا يرونه خطرا يهدد أركان النظام العلماني.
عبد الله غول لم ينف حتى اليوم احتمال ترشحه في
الانتخابات الرئاسية كمرشح المعارضة، ما يعني أنه ما زال يحلم بالعودة إلى رئاسة الجمهورية وممارسة العمل السياسي، ومستعد لمنافسة أردوغان، ولو بدعم خصوم حزب العدالة والتنمية. ويدور الحديث حول رغبة غول في خوض الانتخابات كمرشح جبهة عريضة تجمع تحت سقفها كافة القوى السياسية المنزعجة من سياسات أردوغان ومواقفه. وربما يرى غول أن هذه الانتخابات آخر فرصة له لتحقيق حلمه، ويمكن أن يغامر من أجلها فيخوض اللعبة كاشفا جميع أوراقه.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو يتهرب من الترشح لرئاسة الجمهورية، ويسعى إلى تشكيل جبهة تدعم عبد الله غول في الانتخابات الرئاسية؛ لأن النظام الجديد لا يسمح لأحد بالترشح في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معا، ما يعني أن المرشح للرئاسة الجمهورية في حال خسر الانتخابات سيبقى خارج البرلمان. ويبدو أن كيليتشدار أوغلو يدرك جيدا أن فرصة فوزه في الانتخابات الرئاسية تكاد تنعدم، وبالتالي يريد أن يضمن عضوية البرلمان وحصانته.
تعليق حزب الشعب الجمهوري آماله على ترشح عبد الله غول يعني في الحقيقة كارثة لأكبر أحزاب المعارضة. ويتساءل الجميع: "ألا يوجد في صفوف حزب الشعب الجمهوري، ولا في الأوساط المقربة منه، شخص يمكن أن يرشحه الحزب في الانتخابات الرئاسية؟".
احتمال ترشيح عبد الله غول أثار موجة استياء في صفوف حزب الشعب الجمهوري. وقال القيادي محرم إينجه إن غول لا يمكن أن يكون مرشح حزب الشعب الجمهوري، مضيفا أنه لو اضطر للاختيار بين أردوغان وغول لاختار أردوغان، فيما كتب نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجهوري، أوزغور أوزل، في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "كفى من الشائعات. ترشيح عبد الله غول لم يكن في أجندة حزب الشعب الجمهوري، ولا يوجد اليوم، ولن يكون في المستقبل".
هناك إشكالية كبيرة في ترشيح عبد الله غول من قبل حزب الشعب الجمهوري. وهي أن منصب رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي الجديد الذي سيتم تطبيقه كاملا بعد الانتخابات، ليس منصبا رمزيا، بل رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب عبر صناديق الاقتراع هو الذي سيشكل الحكومة ويحكم البلاد، ما يعني أن عبد الله غول في حال ترشح وفاز في الانتخابات لن يجلس في القصر الرئاسي دون أن يتدخل في شؤون الحكومة، كما كان في فترة رئاسته السابقة، بل سيكون رأس السلطة التنفيذية. فهل سيصوت أنصار حزب الشعب الجمهوري لأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، علما أن غول لم يقدم حتى الآن استقالته من الحزب؟ ولأي مدى سيتطابق برنامج حكومة غول مع برنامج حزب الشعب الجمهوري؟
ما يريده غول هو التنافس مع أردوغان كمرشح مشترك قوي تدعمه أحزاب وشخصيات، إلا أن تحقيق ذلك ليس بأمر هين، في ظل التناقضات الموجودة بين القوى والشخصيات السياسية. ولا أعتقد أنه يقبل خوض الانتخابات كمرشح حزب السعادة فقط؛ لأنه لا يضمن له حتى المرتبة الثانية، ناهيك عن الفوز. كما أن ما يجمع تلك القوى والشخصيات التي ترغب في ترشيح غول هو العداء الشديد لأردوغان والتخلص منه، ولو أدى ذلك للفوضى والأزمات وتدمير البلاد.