كان بديع الزمان
النورسي (1294 - 1379 هـ، 1877 - 1960م) إمام العلماء الأتراك المجاهدين، الذين حرسوا الإسلام في سنوات العقود المظلمة التي مرت بالإيمان الإسلامي والشريعة الإسلامية إبان الحكم العلماني والتعصب القومي لأتاتورك (1881 - 1938م)، ومن قبله جمعية الاتحاد والترقي.
وفي التراث الفكري لبديع الزمان النورسي (رسائل النور) الذي تزيد صفحاته عن ستة آلاف صفحة؛ صياغات نفيسة، يرى قارئوها كأنها كتبت في هذه اللحظات؛ لأنها تعالج أمراضا إنسانية مزمنة، وتدعو إلى السعي نحو المثال الإسلامي الذي يعالج هذه الأمراض.
ومن الأفكار العميقة التي تحدث بها النورسي عام 1911م - 1327 هـ في خطبته الشامية، التي ألقاها بالجامع الأموي بدمشق قوله:
"لقد تعلمت من واقع الحياة الاجتماعية ومن الواقع الذي تعيشه البشرية في يومنا هذا؛ أن هناك ستة أمراض قاتلة، جعلتنا نقف على أعتاب القرون الوسطى ونتيه في مسالكها المظلمة، في الوقت الذي طار فيه الأجانب - ولا سيما الأوروبيين - بخطى سريعة نحو المستقبل وهم يتسابقون في ميادين الرقي والتقدم العلمي، وهذه الأمراض هي:
أولا: حياة اليأس الذي يجد فينا أسبابه وبواعثه.
ثانيا: موت الصدق في حياتنا الاجتماعية والسياسية.
ثالثا: حب العداوة.
رابعا: الجهل بالروابط النورانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
خامسا: سريان الاستبداد وسريان الأمراض المعدية المتنوعة.
سادسا: حصر الهمة في المنفعة الشخصية.
وبعد الإشارة إلى هذه الأمراض، تحدث النورسي عن العلاج، فقال، ضمن ما قال: إن الود والمحبة والأخوة من طباع الإسلام وروابطه، والذي يحمل في قلبه العداء هو أشبه ما يكون بطفل فاسد المزاج، يروم البكاء بأدنى مبرر للبكاء، أو هو أشبه برجل متشائم لا يحسن الظن بشيء ما دام سوء الظن ممكنا!، فيحجب عشر حسنات للمرء بسيئة واحدة، وهذا منافٍ كلياً للخلق الإسلامي القاضي بالإنصاف وحسن الظن.
إن الحرية الشرعية النابعة من الإيمان تأمر بتوفير شيئين أساسيين:
1- أن لا يُذلل المسلم ولا يَتذلل، ومن كان عبدا لله لا يكون عبدا للعبيد.
2- أن لا يجعل بعضكم بعضا أربابا من دون الله، إذ من لا يعرف الله حق معرفته يتوهم نوعا من الربوبية لكل شيء، كل حسب نسبته، فيسلطه على نفسه.
نعم.. إن الحرية الشرعية عطية الرحمن، وتجلٍ من تجليات الرحمن الرحيم، وهي خاصية من خاصيات الإيمان".
هكذا تحدث بديع الزمان النورسي، ولا يزال تراثه الفكري طاقة من طاقات التحرير الإنساني على مر الزمان.