نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب إيشان ثارور، يقول فيه إنه بعد أسبوع من الإشارة إلى خروج قريب من الصراع في سوريا، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلط رسائله مرة أخرى بعدد من التغريدات يوم الأحد.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه ردا على التقارير حول هجوم كيماوي جديد محتمل قام به النظام السوري، فإن ترامب قام بشجب "الهجوم الكيماوي المجنون"، وحمّل رئيس النظام السوري بشار الأسد وداعميه الروس والإيرانيين المسؤولية عن هذا الهجوم، وحذر ترامب من أنهم سيتحملون "دفع ثمن كبير"، "لكن لم يكن واضحا ما هو الثمن، ومن الذي سيدفعه، عدا المدنيين السوريين المقموعين".
ويلفت ثارور إلى أن "ما لا يقل عن 40 شخصا قتلوا، بينهم أطفال، مساء يوم السبت في الغوطة الشرقية، بحسب زملائي، وهي جيب للثوار عانى من حصار الحكومة لفترة طويلة، وقال أول من وصلوا للإنقاذ بأنهم لاحظوا (رائحة تشبه رائحة الكلور) بعد الهجوم، كما ظهر على المتضررين أنهم عانوا من مشكلات في التنفس، وخروج زبد من الفم".
ويلفت الكاتب إلى أن "الحكومة السورية رفضت التهم، وكالعادة ألقت باللوم على الثوار الإسلاميين، كما رفضت السلطات الروسية الانتقاد الدولي الموجه لنظام الأسد، وحذرت من التدخل العسكري في سوريا على (أسس مفبركة)، وقالت وزارة الخارجية إن التقارير كانت من صنع الثوار، و(هي مصممة لحماية الإرهابيين والمعارضة المتطرفة العنيدة، التي ترفض التسوية السياسية)".
ويفيد ثارور بأن واشنطن والعواصم الأوروبية لا تشارك هذا الرأي، حيث يقول مستشار ترامب للأمن الداخلي ثوماس بوسارت، لـ"إيه بي سي نيوز": "إنها مشكلة خطيرة جدا، رأينا صور ذلك الهجوم.. إنه يمثل واحدة من تلك القضايا التي اتفقت عليها الدول كلها، والشعوب كلها اتفقت منذ الحرب العالمية الثانية على أن هذا تصرف غير مقبول".
وينوه الكاتب إلى أن "يوم الاثنين يصادف اليوم الأول لتسلم جون بولتون، الذي يؤيد فعلا أمريكيا من جانب واحد في أنحاء العالم كله، مهام منصبه بصفته مستشارا للأمن القومي، وكان من المفترض أن يترأس اجتماعا حول سوريا، حيث قال بوسارت بأن الخيارات كلها (مطروحة على الطاولة)".
ويورد ثارور أن تقارير على التلفزيون السوري ذكرت في وقت متأخر من ليلة الأحد بأن قاعدة جوية بالقرب من حمص تم استهدافها بسلسلة من الصواريخ، في الوقت الذي أنكرت فيه البنتاغون أن تكون لها علاقة بأي غارات جوية مثل هذا الهجوم، تكرارا لما فعله ترامب العام الماضي، بعد هجوم كيماوي مزعوم في محافظة إدلب، حيث أمر ترامب سفن البحرية الأمريكية بضرب مطار عسكري بـ 59 صاروخ "توماهوك"، وشارك الأخبار في وقتها مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، بينما كانا يتناولان الحلوى في منتجع ترامب في فلوريدا.
ويستدرك الكاتب بأنه "وإن كان يهدف من ذلك الهجوم إلى إرسال رسالة للأسد، فإن الأثر قد تضاءل منذ ذلك الحين، ويطالب صقور واشنطن بالمزيد، وحثوا ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع على إعادة النظر في رغبته في سحب القوات البرية الأمريكية من سوريا، وهو التحرك الذي يقولون إنه يسلب أمريكا أوراق ضغطها على نظام الأسد، الذي يعزز من موقفه".
وتنقل الصحيفة عن فريدريك هوف، من "أتلانتك كاونسل"، قوله في بيان أرسل به من خلال البريد الإلكتروني، إن هجوم النظام الأخير يشكل "تحديا لمصداقية" ترامب، فيما قال السيناتور ليندسي غراهام، و"هو جمهوري عن ساوث كارولاينا"، وهو داعية من دعاة التدخل في الخارج، إن النظام السوري وحلفاءه "ينظرون إلينا وإلى تصميمنا يتحطم، ويرون إصرارنا على البقاء في سوريا ينحسر... لكن الرئيس ترامب يمكنه أن يقلب الطاولة"، وشدد غراهام على ضرورة أن يطبق ترامب ما يذكره في تغريداته التي تدعو للحرب.
ويجد ثارور أن "ترامب لم يظهر اهتماما كبيرا في امتلاك رؤية لمآل الأمور في سوريا، حيث يوقفه حجم تكاليف الحرب في الشرق الأوسط ووسط آسيا، ويهتم فقط بمكافحة تنظيم الدولة، ويشارك سلفه الحذر من التورط كثيرا في الدفع نحو تغيير النظام".
ويذكر الكاتب أن العديد من المعلقين أشاروا بعد إطلاقه التغريدات صباح يوم الأحد، إلى انتقاداته قبل 4 سنوات لإدارة إوباما، عندما كانت الإدارة تفكر في أسلوب معاقبة الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية، التي تجاوز باستخدامها "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما، مستدركا بأن ترامب كان معارضا لأي غارات جوية على النظام، وأعرب عن قلقه من المخاطرة بحياة المدنيين.
ويشير ثارور إلى أن ترامب غرد في 7 أيلول/ سبتمبر 2013، قائلا بأنه لا توجد إيجابية في عدم مهاجمة الرئيس أوباما لسوريا، لكن هناك سلبية، وكان قد غرد قبل ذلك في 30 آب/ أغسطس، حيث قال إن هاجم أوباما سوريا، وقتل أو جرح مدنيين أبرياء، فإن هذا سيسيء إلى صورة أمريكا.
ويؤكد الكاتب أن "من حق ترامب أن يغير رأيه مع مرور الوقت، لكنه حاول يوم الأحد مرة أخرى أن يركز اللوم على سلفه، الذي يتهمه الآن بأنه لم يكن قاسيا بما فيه الكفاية على نظام الأسد، أي لأنه سار بحسب نصيحة ترامب في وقتها".
ويلفت ثارور إلى أن ترامب غرد في 8 نيسان/ أبريل 2018، قائلا: "لو قام أوباما برسم خطه الأحمر في الرمال، لانتهت المأساة السورية منذ زمن طويل! ولكان الحيوان الأسد تاريخا!".
ويورد الكاتب نقلا عن الكاتب في "واشنطن بوست، جوش روجين، تعليقه قائلا: "ترامب وحده هو من يستطيع انتقاد أوباما؛ لإعطائه الأسد الضوء الأخضر لارتكاب الجرائم في سوريا، في الوقت الذي يعطيه هو الضوء الأخضر لارتكاب الجرائم في سوريا.. قمة النفاق".
ويبين ثارور أن "هناك بعدا آخر مهما لنفاق ترامب، حيث يبدي ترامب غضبه لأفعال الأسد المرعبة، لكنه لم يستطع أن يحشد كثيرا من العطف لآلاف اللاجئين السوريين الذين منعت إدارته دخولهم لأمريكا، وفي الوقت الذي أبدى فيه قلقه على المدنيين من (القتل أو الجرح) قبل أربعة أعوام، إلا أنه ترأس حربا جوية متصاعدة في أنحاء العالم، والناتج عنها من قتلى مدنيين لا يمكن تأكيده، لكنه يصل غالبا إلى المئات، إن لم يكن إلى الآلاف".
ويقول الكاتب إن "هذا النوع من المعاناة لا يهم ترامب، وكان زميلي غريغ جيف نقل كيف قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية بعرض إحدى العمليات بطائرة دون طيار ضد أحد الإرهابيين في أول يوم لترامب في البيت الأبيض، فاستغرب ترامب لماذا انتظروا حتى خرج الهدف من بيته حتى ضربوه، ولماذا اختاروا إنقاذ حياة أفراد عائلته".
ويعلق ثارور قائلا: "يبدو أن هذه القسوة تلازمها لامبالاة، وتوجيه ضربات لأهداف في سوريا قد يؤدب الأسد مؤقتا، لكنه لا يستطيع تغيير الوقائع على الأرض، حيث تقوم كل من روسيا وإيران وتركيا باستغلال الفرصة، وخلق أمر واقع على الأرض، والمساومة على مستقبل سوريا السياسي، بينما كل ما يسعى له ترامب هو ضرب تنظيم الدولة".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى قول خبراء في مكافحة الإرهاب، إن بناء التنمية الاقتصادية والاستيعاب السياسي في هذه المجتمعات التي مزقتها الحروب هو الحل الحقيقي لمنع زعزعة الاستقرار ثانية، مضيفين أن لامبالاة ترامب سيكون لها ثمن حقيقي.
الغارديان: هل يقدم ترامب على توجيه ضربات بسوريا؟
ناشونال إنترست: لماذا يجب على ترامب وقف هذه الحروب سريعا؟
الغارديان: لهذا يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية هجوم دوما