فجرت حادثة غرق شاب من مشجعي النادي الأفريقي التونسي، إثر مطاردة أمنية له، حالة من السخط في صفوف التونسيين، وأعادت للأذهان ممارسات البوليس التونسي إبان حكم المخلوع بن علي الذي ظن التونسيون أنه رحل بغير رجعة.
وتحولت حادثة غرق الشاب التونسي عمر العبيدي، بعيد مباراة ناديه في الدوري التونسي الممتاز، إلى قضية رأي عام شغلت بال كل الأوساط الرياضية والسياسية والحقوقية في تونس وخارجها.
ودشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ "تعلم عوم" (تعلم السباحة) كردة فعل ساخرة وغاضبة على سلوك رجال الأمن الذين طاردوا الشاب عمر برفقة مجموعة من أصدقائه إثر نهاية مباراة كرة قدم جمعت فريقهم النادي الأفريقي بفريق أولمبيك مدنين الأحد الماضي بملعب رادس وأعقبتها أعمال شغب لتنتهي بوفاة الشاب غرقا إثر دفعه من قبل رجال الأمن في أحد الأودية القريبة من الملعب رغم توسله لهم بأنه لا يجيد السباحة ليردوا عليه بسخرية "اتعلم عوم" بحسب الرواية المتداولة للعائلة ولشهود عيان.
ملابسات وفاة عمر
وقال العضو في ألتراس "كورفا نور تونس" نذير التومي وصديق عمر -وهو اسم مستعار لدواع أمنية، لـ "عربي 21" إن صديقه عمر كان قد هرب يوم الحادثة إثر نهاية مباراة فريقه من مطاردة رجال الأمن لهم وإلقائهم الغاز المسيل للدموع لتفريق الجماهير إثر مناوشات خلال نهاية المباراة بين الجماهير.
وتابع التومي خلال سرده لملابسات الحادثة بحرقة وتأثر شديد:" كنت بجانب صديقي عمر أثناء حدوث مناوشات بين مجموعتين من ألتراس الفريق - الفندالز و الليدارز- وحين تصاعدت حدة الشجار تدخل البوليس ليقوم بمحاصرة مجموعة داخل الملعب وإخراج مجموعة أخرى، وكنا أنا وعمر من بين الجماهير التي خرجت تحت ضرب عصي رجال الشرطة وقد تمكن رجال الأمن من القبض علي برفقة مجموعة أخرى من الشباب في حين تحصن صديقي عمر بالفرار برفقة آخرين".
وأردف: "سلك عمر طريق غابة تنتهي بأحد الوديان وحينها توقف سيما أنه لا يعرف السباحة ليجد نفسه وجها لوجه أمام رجال الأمن، فقام أحد رجال الأمن بدفعه في الوادي رغم توسلاته له بأنه لا يجيد العوم ليجيبه بسخرية " تعلم عوم".
وأشار التومي إلى أن أحد أصدقائهم كان قد تحصن بالفرار برفقة عمر واختبأ عن أنظار رجال الأمن وقام بتصوير كل الواقعة قبل أن يكتشف رجال الأمن أمره ويفتكوا منه جهاز المحمول ويقوموا بمحو الفيديو".
وأكد أن الحملة التي أطلقها ألتراس الفريق بعنوان " تعلم عوم" استطاعت أن تحول قضية مقتل عمر من حادثة عادية إلى قضية رأي عام وأن تعيد من جديد قضية التعامل الأمني العدائي ضد المواطنين التونسيين عامة وجمهور كرة القدم بشكل خاص.
فتح تحقيق
وأمر رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بفتح تحقيق لمعرفة ملابسات الحادثة وتحديد المسؤوليات، فيما أكد الناطق الرسمي باسم الداخلية خليفة الشيباني لـ "عربي 21" أن القضية تكفل بها القضاء التونسي وتحديدا النيابة العامة ببن عروس، وأن الداخلية حريصة على إظهار الحقيقة من خلال تقديمها كافة الإثباتات بخصوص توجيه التهم لعناصرها الأمنية .
وأضاف: "من أخطأ وثبت تورطه في مقتل الشاب عمر لن يفلت من العقاب ونحن لسنا فوق القانون والقضاء ولسنا أيضا أقل منه لأن ما يهمنا في النهاية هو الحقيقة".
تضامن واسع
وفاة عمر وحدت بشكل غير مسبوق جماهير كرة القدم التونسية وألتراس الفرق على غرار محبي النجم الساحلي التونسي والترجي الرياضي الذين نشروا بيانات مساندة مطلقة لقضية محب الأفريقي ولحملة "تعلم عوم" منددين بالممارسات البوليسية تجاه مشجعي الفرق .
وامتدت حملة المساندة لتشمل شخصيات من خارج تونس حيث كتب المحامي والناشط المصري في مجال حقوق الإنسان طارق حسين، سلسلة تغريدات عبر خلالها عن تضامنه مع عائلة الشاب عمر ومع أصدقائه، مدينا سلوك البوليس التونسي الذي شبهه بسلوك البوليس المصري مع جماهير الأندية المصرية.
وغردت الناشطة الحقوقية لينا بن مهني، منتقدة سلوك البوليس التونسي واعتبرت أن القضايا التي يكون فيها الأمنيون متهمين غالبا ما يكون الحكم لفائدتهم ويضيع حق الشاكي إن كان مواطنا عاديا في إشارة لغياب القضاء العادل واستمرار دولة البوليس.
فيما وصف الإعلامي والناشط علا الطالبي، البوليس التونسي بالسلطة القاتلة وأضاف ساخرا :" تعلّم السباحة أوّلا ، و بعدها باستطاعتك الذهاب للملعب لتشجيع فريقك".
بدوره اعتبر الناشط السياسي عزيز برقاوي أن حادثة موت الشاب عمر أعادت للأذهان حوادث تعذيب وقتل لم تنته عاشها المواطنون التونسيون في مواجهة البوليس السياسي.