ما حدث ليلة أمس في مدينة دوما من غوطة دمشق، شيء خارج تصور العقل في معارك ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قصف جيش بشار الأسد المدينة بالأسلحة الكيماوية، وتعمد إسقاط البراميل الحاملة لغاز السارين والكلور على الأماكن التي يوجد فيها ملاجئ للأطفال والنساء يحتمون بها من الصواريخ والمدفعية، مما أدى إلى إصابة أكثر من ألف وخمسمائة منهم حوالي مائتي قتيل حتى الآن، وكانت الفيديوهات التي نقلتها وكالات الأنباء العالمية لصور جثث الأطفال والرغاء الأبيض يخرج من أفواههم وأعينهم مشهدا مخيفا ويذيب القلوب، ويستحيل أن يوجد إنسان ـ بقي إنسانا ـ ولا يتحرك قلبه لهذه الوحشية التي يستخدمها الطاغية المجرم بشار الأسد ضد الشعب السوري، لمجرد أنه طالب الحرية والكرامة.
بابا الفاتيكان
مشكورا أبدى استنكاره الشديد للجريمة، ووصفها بأنها "عملية إبادة غير مبررة ضد
سكان لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم"، وهو اتهام نادر الصدور عن الفاتيكان، من
هول الجريمة وبشاعة الصور الحية التي نقلت للعالم كله، وكنت أتمنى أن يسبق الأزهر والمراجع
الدينية الإسلامية في العالم العربي والإسلامي بابا الفاتيكان في إدانة هذه الهمجية
التي يمارسها نظام بشار الأسد الوحشي، الذي يبدو وكأنه قادم من ظلام العصور الوسطى، مثقلا بإرث كئيب للطائفية المقيتة، وأما الجامعة العربية وأغلب الحكومات العربية فلا
تنتظر منها شيئا، بل إن بعضها ربما كان سعيدا لأن بشار عندما "يؤدب" شعبه
الثائر من أجل الحرية بكل تلك الوحشية، فإنما يرسل من خلاله الرؤساء العرب رسالة التحذير
إلى شعوبهم إن فكرت أن تتمرد عليهم، أمامكم الدرس فاتعظوا !.
المؤسف أن قطاعا
غير قليل من المؤمنين بالربيع العربي، وأبنائه والحاملين لحلمه، ما زالوا غير مدركين
لخطورة ما يحدث في سوريا، وأنه ـ بصورة أو أخرى ـ ينعكس على مسار الربيع العربي في
كل مكان، وبكل تأكيد فإن وحشية بشار الأسد رفعت سقف التكلفة، فبشار لم يتورع عن إرسال
طائراته ودباباته وصواريخه لقصف المدن السورية الثائرة ودمر مستشفيات على رؤوس المرضى،
والمساجد على رؤوس المصلين، والمدارس على رؤوس التلاميذ، والمخابز على رؤوس البسطاء
الذين ذهبوا يبحثون عن رغيف خبز لأولادهم، وحاصر المدن والقرى وأخضعهم للموت جوعا أو
الاستسلام، وعند الاستسلام يعقد إعدامات ميدانية بالمئات لشباب تلك المدينة أو القرية،
وتعريض الباقين للذل الذي لا يحدث حتى لأسرى الحروب، وعندما تستعصي عليه مدينة وترفض
الاستسلام بعد كل تلك المذابح، فإنه يقوم بقصفها بالأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا،
لإجبار ثوارها على الركوع والاستسلام، كما حدث في دوما، وما حدث قبلها في حمص وحلب،
هذا مستوى من الوحشية والإجرام غير مسبوق، بل لم يصل إليه الصهاينة أنفسهم في حربهم
على أهلنا في فلسطين، ويكفي أن نصف شعب سوريا اليوم مهجرا ومشردا في أرجاء الدنيا؛ خوفا
من بطش الأسد ومخابراته وأجهزة تعذيبه وقمعه.
بشار ليس مجرد
ديكتاتور أو مستبد، فالمستبدون كثر، هذا طراز مختلف من الوحوش الآدمية، ديكتاتور دموي
لا حد لجرائمه ودمويته، وخائن لوطنه، لم يتورع عن أن يستحضر مليشيات طائفية من العراق
وسوريا وأفغانستان من أجل دعمه في حربه على شعبه، ومكنهم من استباحة كرامة سوريا أرضا
وشعبا، ثم استقدم قوات الحرس الثوري الإيراني الطائفية ومنحها المعسكرات والسلطات الكاملة
لبسط سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد، ثم استقدم الروس ومنحهم القواعد والمعسكرات
في الساحل وفي بعض المطارات لكي يدعموه في حربه على شعبه، هذا بخلاف ما تسبب فيه من
دخول القوات الأمريكية والفرنسية والتركية إلى سوريا وإقامتها قواعد عسكرية، وبسط السيطرة
على مدن ومساحات. هذا الخائن الفاشل، يحاول بعض العرب اختزال كارثيته في أنه مستبد،
مثل غيره من المستبدين، هذا تضليل وتسطيح خطير للأمور، فضلا عن لا إنسانية مثل هذا
الموقف الذي يهرب به أصحابه من أي مسؤولية أخلاقية تجاه الشعب السوري المستباح.
لا شك عندي أبدا،
في أن الشعب السوري سينتصر في النهاية، وسيفرض إرادته، وسينتزع حريته وكرامته، وسيبني
دولة مدنية ديمقراطية هو جدير بها، فقد دفع الثمن، أكثر مما دفعه أي شعب آخر، وعدل
الله يأبى إلا أن ينصر هؤلاء المستضعفين، حتى وإن خذلهم العالم القريب والبعيد، وشعارهم
من البداية كان "مالنا غيرك يا الله".
المصريون المصرية