نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب ديفيد غاردنر، يقول فيه إنه بعد مرور سبع سنوات على إثارة مصر لإعجاب العالم، من خلال ثورة شعبية، بدت أنها قلبت 6 عقود من الحكم العسكري، فإن البلد العربي الأكثر سكانا لا يزال رهينة في مخالب الاستبداد.
ويقول غاردنر إنه "سينتج عن انتخابات هذا الأسبوع فوز عبد الفتاح السيسي رئيسا آخر من الجيش، يسوق نفسه على أنه مشعل للاستقرار في منطقة ملتهبة، فهذه الانتخابات تجربة تحطم المعنويات، حتى في ضوء محدودية الخيارات المتوفرة حاليا للمصريين".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن السيسي، الذي كان مسؤولا عن المخابرات العسكرية وكان وزيرا للدفاع، تسلم السلطة عام 2013، بعد أن أطاح بالحكومة الإسلامية للإخوان المسلمين، التي تم انتخابها بعد الإطاحة بالرئيس مبارك بعد حكمه الديكتاتوري، الذي دام 30 عاما، وانتهى عام 2011 في ثورة ميدان التحرير.
ويلفت غاردنر إلى أن "السيسي قام بانقلابه بعد قيام مظاهرات ضد الإخوان المسلمين، التي أصبحت اليوم محظورة، والتي لم تستخدم سنتها في الحكم لحكم مصر لكن لاحتلال مؤسساتها، وبعد انقلاب السيسي قام الجيش والأمن بقمع الإسلاميين بعنف، ثم تصيدوا المعارضين كلهم، حيث تم سجن الليبراليين واليساريين الذين عارضوا كلا من مبارك والإخوان".
ويقول الكاتب: "لم يشكك أحد في شعبية السيسي، حيث تم انتخابه رئيسا لأول مرة في 2014، وبعد أربع سنوات، وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية، والهجمات الجهادية التي يصارع الأمن المصري لضبطها، إلا أن القليل يشك في أنه سيفوز في انتخابات حرة ونزيهة، لكن هذا ما لم يحدث هذا الأسبوع".
ويستدرك غاردنر بأن "اللافتات واليافطات الضخمة التي تحمل الدعاية له موجودة في كل مكان، وقام النظام بقمع الإعلام الناقد، وإعلام المتملقين إن خرجوا عن الرسالة المطلوبة، فلم يكن ذلك سباقا سياسيا بل حملة تسويق".
وينوه الكاتب إلى أن "المنافس الآخر الوحيد هو مؤيد شديد للسيسي، ووجوده هو فقط تكميل عدد، أما المنافسون الحقيقيون فإنه تم إبعادهم جانبا، بما في ذلك جنرالان سابقان: سامي عنان، الذي كان رئيسا لأركان الجيش تحت حكم الرئيس مبارك، والذي لا يزال رهن الاعتقال، وأحمد شفيق، القائد السابق لسلاح الطيران، الذي شغل منصب رئيس وزراء تحت حكم الرئيس حسني مبارك، والذي ترشح ضد الإخوان المسلمين في انتخابات عام 2012، والذي تم إخراجه من السباق الرئاسي بشكل مهين".
ويتساءل غاردنر: "فلماذا إذن فقد السيسي أعصابه إن كان هو سيد الاستطلاعات كلها؟ يقول زملاؤه في الحكومة إنه لا يستطيع هضم فكرة المنافسة بينه وبين زملائه من الجيش -الذي يعده المؤسسة الوحيدة التي يعرفها جيدا ويثق بها- لأن ذلك سيخلق انطباعا بأن الجيش منقسم، وقال أحدهم: (إنه لا يرتاح أبدا للنقد.. لكن خشيته الرئيسية كانت من مرشحين من الجيش، حيث لا يمكن انتقادهم دون تلطيخ سمعة الجميع)".
ويفيد الكاتب بأن "هذه واحدة من الطبقات الثلاث على الأقل التي تأتي مع الظاهر المتناقض لحكم الجيش، بغض النظر عن مدى قوة القبضة الحديدية، فأولا خلق السيسي انطباعا بوجود انقسام في الجيش، عندما أقال رئيس الأركان محمود حجازي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ورئيس المخابرات خالد فوزي في كانون الثاني/ يناير، وكانت الأسباب الواضحة هي بالترتيب: كمين جهادي محرج نصب للقوات المصرية، وتسريبات بأن الحكومة تؤيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تحيزه لإسرائيل في قضية فلسطين، في الوقت الذي تظهر فيه المعارضة، وأدى الإعلام الأجنبي دورا في الكشف عن الأمرين".
ويبين غاردنر أن "الأمر الثاني: تكشف أن مدى اعتماد السيسي على دائرة من الجنرالات والمخابرات يتقلص، وقال أحد أعضاء حكومته السابقين: (ليس لديه إلا عدد قليل من المستشارين المدنيين، ويميل لاستشارة الجهاز الأمني، وبالذات المخابرات العسكرية.. وكل شيء آخر لا يحمله محمل الجد)، وقال زميل سابق له أيضا إنه لا يستخدم الحكومة، بل يستخدم خلية أمنية مرتبطة بالحكومة لاتخاذ القرارات".
ويذكر الكاتب أنه "في الوقت ذاته، فإن الجيش تحت قيادة السيسي قام بتأكيد سلطته، وبحماية الامتيازات الكبيرة، ووسع من إمبراطوريته التجارية الضخمة، ولأن نظرة السيسي للعالم تعد السياسة مرادفة للتخريب، فإن هذا يجعل الجيش هو اللعبة السياسية الوحيدة في البلد".
ويجد غاردنر أنه "لذلك، فإن ما فعله السيسي هو أنه أعاد إخراج النموذج الذي شوه السياسة المصرية والعربية منذ أن سيطر من يسمى بالضباط الأحرار وجمال عبدالناصر على السلطة عام 1952: الجيش ضد الإسلام السياسي، أو الرجال على ظهور الأحصنة ضد الرجال بالعمائم، وتقريبا لا شيء بينهما".
وتنقل الصحيفة عن سياسي ليبرالي سابق، قوله: "لقد قضى على كل معارضة، بشكل لم يشهده جيلي من قبل، وأشك أن ذلك حصل حتى تحت حكم عبد الناصر".
ويذهب الكاتب إلى أن "أي تدقيق في القضاء على الحريات والرأي المستقل والمنظمات المستقلة تحت حكم السيسي، قد يجعله يبدو مماثلا للفاشية، لكن الإحساس نحوه ليس كذلك، فليس من فراغ يتم تناقل النكات المصرية في أنحاء الشرق الأوسط، وكما علق وزير سابق: (لدينا مجتمع تعددي دون أخلاق التعددية السياسية)، لكنه أضاف: (قد ترى شخصية سياسية تظهر حول قضية كبيرة لا نستطيع حاليا أن نتوقعها)".
وتورد الصحيفة نقلا عن سياسي سابق آخر، قوله إن السيسي أعاد إنتاج الدولة الأمنية، بالزي العسكري والمدني، إلا أن مخالبها أكثر حدة، ومع ذلك فإنه يقول إن الوظيفة الآن هي صناعة إجماع جديد يدعو لحماية حكم القانون، وسياسة يشارك فيها الجميع، وقد تكون الخدمة الرئيسية التي قدمها السيسي لبلده هي إزالة الركام السياسي القديم، بما في ذلك الأحزاب التي ظهرت من ميدان التحرير, لكنها فشلت في استغلال طاقة الشباب في مصر.
ويختم غاردنر مقاله بالإشارة إلى قول السياسي السابق: "بالنسبة للشباب، فإن هذه صفحة نظيفة الآن، وهذا بصراحة هو أفضل خيار لنا للمستقبل".
نيويورك تايمز: كيف حث مؤيدو السيسي المواطنين لانتخابه؟
إندبندنت: هل ينجح السيسي بتحقيق استقرار فشل بتوفيره؟
إيكونوميست: في انتخابات مصر مرشحان ولا اختيار بينهما