نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل في قسم دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي الباحث ستفين أ. كوك، يقول فيه إنه عندما تدخلت روسيا في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015، كان ذلك مفاجئا للجميع تقريبا.
ويشير الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "روسيا كانت بعيدة لفترة طويلة، لدرجة أن فكرة عكس قوتها بعيدا عن حدودها المباشرة لم تخطر على بال أحد خلال 25 عاما، لكن قرار فلاديمير بوتين إنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من تلقاء نفسه غير ذلك كله".
ويبين كوك أنه "منذ ذلك الوقت ظهرت عدة أفكار عن القوة الروسية، وتوصل كثير من المحللين في واشنطن الرسمية إلى فهم إظهار روسيا لقوتها في الشرق الأوسط، على أنه مؤشر على أن التنافس الدولي بين واشنطن وموسكو، الذي كان موجودا في الماضي، عاد ليتجلى في الحاضر والمستقبل، ومع ذلك يبقى هناك من يعارض هذا الفهم - المتخصصون في الشأن الروسي والمسؤولون الأمريكيون السابقون والصحفيون- حيث يعتقد هؤلاء بأن الروس في الواقع يعانون من الضعف الشديد، ويعانون ماديا، وتورطوا في سوريا، وأفضل ما يمكن أن يقولوه هو أن بوتين يلعب في أوراق ضعيفة، لكن ببراعة".
ويعلق الكاتب قائلا: "مهما يبدو هذا الادعاء الذي يعارض الحدس جذابا، إلا أنه غير دقيق، فللروس استراتيجية، ولا تزال لديهم قوة، والسؤال هو ماذا ستفعل الولايات المتحدة تجاه هذا؟".
ويلفت كوك إلى أنه "تم إنزال العلم الذي يحمل شعار المنجل والمطرقة للاتحاد السوفييتي عن الكرملين لآخر مرة في 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991، وكان ذلك يوما مؤلما بالنسبة لبوتين -ليس لأنه لم يكن شيوعيا متحولا، بل لأنه قومي فخور- والآن هو وقت الدفع لثلاثة عقود من إهانة موسكو، وأي مكان أفضل لبدء ذلك من الشرق الأوسط، حيث أصبحت الولايات المتحدة مبغوضة حتى من حلفائها".
ويجد الباحث أنه "لذلك فإن عرض موسكو لقوتها (بمساعدة إيران) في سوريا، منح الروس فرصة لفرض أنفسهم بصفتهم بديلا عن أمريكا مع حلفاء أمريكا التقليديين، حيث هناك صفقات أسلحة وصفقات اقتصادية وتحركات دبلوماسية، وكانت روسيا فعالة في جذب تركيا ومصر من أمريكا، وإن لم يكن بشكل تام، وسافر ملك السعودية الملك سلمان إلى روسيا للحديث عن أسعار النفط، ولحماية المملكة من سياسة تخفيض النفقات الأمريكية، والآن لأن أمريكا أصبحت من كبار منتجي النفط في العالم، يتوقع أن يكون هناك تقارب بين روسيا ودول الخليج العربي؛ لضمان بقاء أسعار النفط في خدمة مصالح تلك الدول، وحتى الإسرائيليون شقوا طريقهم لموسكو عدة مرات في السنوات الأخيرة؛ أملا في إقناع بوتين في المحافظة على مصالحهم في سوريا".
ويرى كوك أن "هذا سجل إنجازات قوي، فخلال أقل من عقد تحول الشرق الأوسط من مكان تسيطر فيه أمريكا إلى مكان تتنافس فيه واشنطن مع موسكو، وفي سوريا أثبت الروس عمقا سياسيا وقوة، وهذا أهم من حجم الاقتصاد الروسي، الذي استخدم دليلا على ضعف موسكو، وأن نعتقد أن قوة روسيا مؤقتة يمثل خطر غرس أفكار وفرضيات حول العالم تؤدي إلى عدم الاكتراث، وما تحتاجه واشنطن هو عكس ذلك".
ويتساءل الكاتب: "فماذا يجب على أمريكا أن تفعل تجاه روسيا في الشرق الأوسط؟" ويجيب قائلا إنه "قبل فعل أي شيء، فإنه يجب على صناع القرار أن يدركوا الواقع: لن يذهب الروس، ولديهم استراتيجية، وهي إضعاف الغرب، وتبدأ في الشرق الأوسط، والأهم من ذلك لم تعد موسكو تحمل عبء الفكر الشيوعي، ما يسهل عليها شق طريقها في المنطقة".
وينوه كوك إلى أن "الخطوة التالية أن يسأل المسؤولون أنفسهم سؤالين: الأول، ما هو المهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ والجواب مباشر تقريبا، وهو احتواء إيران، ومواجهة الإرهابيين، ومساعدة إسرائيل على الحفاظ على أمنها، والتأكد من عدم هيمنة أي بلد على المنطقة، والسؤال الثاني هو ما الذي يجعل زعماء المنطقة يسعون لعلاقات أقرب مع موسكو؟ والجواب هنا صعب أن نلمسه ومثير للجدل شيئا ما، لكن يمكن التوصل إلى ارتباطه بقيادة روسيا والتزامها".
ويفيد كوك بأن "الأتراك والمصريين والإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين مراقبون متمرسون للسياسة الأمريكية، وهم يدركون بأن الاختلال الوظيفي السياسي في واشنطن يمكن أن يؤثر على العلاقات الثنائية، وعلى مدى العقد الماضي أصبحت مصر والسعودية وإسرائيل موضوع خلاف في الولايات المتحدة، كما أن هناك مشهد السلطتين التشريعية والتنفيذية العاجزتين عن القيام بأكثر مهمات الحكم روتينية دون حرب أيديولوجية، وهذا يجعل زعماء الشرق الأوسط، الذين اعتمدوا على أمريكا لأمنهم قلقين من أن أمريكا في حالة تراجع، ولذلك بدأوا في البحث عن بديل ولو مؤقتا".
ويذهب الباحث إلى أنه "لذلك، فإن أحد أهم الأشياء التي يمكن لأمريكا فعلها في الشرق الأوسط لمواجهة روسيا هو وضع الحرب الحزبية جانبا؛ لأنها تضعف أمريكا وتزعزعها، وقد يكون الأمر صعبا في الظروف الحالية، لكن ما لم يحمل الكونغرس والبيت الأبيض الخطر الروسي محمل الجد، فإنهما سيسلمان أجزاء من الشرق الأوسط لموسكو ، فيما سيكون أكبر خطأ في السياسة الخارجية الأمريكية".
ويعتقد كوك أن "واشنطن تحتاج لأن تلتزم بحماية أمن أصدقائها وحلفائها، وحتى لو كان ذلك يحتاج إلى قوة قلب وتنازلات أخلاقية، إن كانت هذه الدول تشارك أمريكا مصالحها العريضة، فإنه يكون من الضروري أن تدعمها واشنطن بالقول والفعل، وذلك لا يعني فقط بيعهم (أسلحة جميلة)، كما علق الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته للسعودية في ربيع 2017، وهي تعني قرارات صعبة، مثل قبول ودعم الموقف التركي ليس فقط فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، لكن أيضا وحدات حماية الشعب المرتبطة به، التي عملت بصفتها حليف أمريكا الرئيسي ضد تنظيم الدولة في سوريا، وهذا سيتطلب أيضا نشر عدد أكبر من الجنود الأمريكيين في سوريا؛ لمنع عودة تنظيم الدولة وردع إيران".
ويشير الكاتب إلى أن "هذا يعني أيضا إعادة المساعدات العسكرية لمصر، بالرغم من وحشية حكم عبد الفتاح السيسي، وإعطاء الإسرائيليين الضوء الأخضر لفعل ما يعتقدون أنه ضروري لحماية أنفسهم من إيران ومن حزب الله في سوريا ولبنان؛ وذلك لتفادي حاجة الزعماء الإسرائيليين السعي دائما للحصول على المساعدة والضمانات من موسكو، وأخيرا، تعني أن تستخدم أمريكا قوتها العسكرية لتدمير الإمكانيات الإيرانية والحوثية في اليمن، التي تهدد أمن السعودية، للسماح للسعودية بالخروج من نزاع منهك، فترك السعوديين ينزفون في اليمن لا يعد كسبا استراتيجيا لطهران فقط، بل لموسكو أيضا، التي يسعدها أن ترى حليف أمريكا الرئيسي عالقا في اليمن، وبحاجة إلى شريان حياة من أمريكا، وصناع القرار الأمريكيون مترددون في توفيره".
ويقول كوك: "الروس أقوى مما كانوا عليه في العقود الأخيرة، لكن ذلك لا يعني أنهم أقوياء، وعرض موسكو لعضلاتها العسكرية في سوريا هو بشكل رئيسي ضد مليشيات ضعيفة التدريب وعصابات من المتطرفين وأطفال أبرياء، فالاشتباك الذي حصل بين الجنود الأمريكيين و(المرتزقة) الروس في شباط/ فبراير، الذي قتل فيه معظم المقاتلين الروس، ولم يقتل فيه أمريكي واحد، يعد مؤشرا على أن الروس مهما كانوا على استعداد لاستخدام القوة الغاشمة، فهم ببساطة لا يستطيعون الوقوف أمام أمريكا، هذه حقيقة يجب على سفراء أمريكا ومبعوثيها والأصهار أن ينقلوها لصناع القرار في القاهرة وأنقرة وغيرها من العواصم، حيث تحاول موسكو أن تسوق معداتها العسكرية".
ويرى الباحث أنه "لتأكيد هذه النقطة، فإن على أمريكا أن تكشف المخادعة الروسية، حيث كان هناك العديد من المرات التي احتجت فيها واشنطن بعجز على (المناورات غير الآمنة) للجيش الروسي في الجو أو البحر، فمثل الاشتباك في الصحراء السورية على أمريكا أن تجعل الأمر واضحا بأن هناك تبعات للعبث العسكري، وهناك بالطبع خطر التصعيد لهذه المقاربة، لكن هناك أيضا سلبيات لإظهار الضعف في وجه الاستفزازات الروسية، وأخيرا ستكون أمريكا أحسنت إلى نفسها إن هي شنت حربها المعلوماتية الخاصة بها، مركزة على عدد السوريين الذين قتلتهم روسيا، وكم عدد المسلمين الذين ذبحهم فلاديمير بوتين في الشيشان، وكم متطرفا تسببت بإنتاجه موسكو في هذه العملية".
ويختم كوك مقاله بالقول إن "كانت الولايات المتحدة، كما جزم وزير الدفاع جيمس ماتيس في كانون الثاني/ يناير، أصبحت في عصر منافسة كبيرة على القوة، فعلى أمريكا التعامل مع هذا الوضع الخطير، كما يجب أن يحرر بوتين من الاعتقاد بأن الشرق الأوسط هو المكان الأكثر ملاءمة للبدء بإضعاف الغرب والولايات المتحدة، وقد نجح الأمريكيون سابقا باحتواء موسكو، وتقليص نفوذها في المنطقة؛ وليس هناك أي سبب لأن نعتقد بأنه ليس بالإمكان تكرار ذلك، لكن فقط إن كانت هناك الحكمة لإدراك ما هو المهم في العالم الآن وقوة القلب الجماعية على مواجهة التحدي".
فورين بوليسي: ما حقيقة وجود حرب باردة بين أمريكا وروسيا؟
بوتين يتهم اليهود وأقليات أخرى بالتدخل بانتخابات أمريكا 2016
الغارديان: المدنيون في سوريا يدفعون ثمن تنافس القوى الكبرى