بعد اندلاع احتجاجات شعبية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، تنديدا بالغلاء، منذ مطلع العام الحالي، أختط الرئيس السوداني عمر البشير، طريقا مغايرا لما هو معروف، حيث أقال وأعفى مسؤولين تنفيذين، وعين آخرين محلهم.
بينما المتداول هو أن الأزمة الاقتصادية في السودان يتحمل مسؤوليتها وزراء القطاع الاقتصادي (المالية، التجارة، الاستثمار، الصناعة)، فكان متوقعا أن يطالهم التغيير.
ورأى صحفيون وسياسيون وأعضاء في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والبرلمان السوداني أن الإصلاح يبدأ بإقالة وزراء الاقتصادي بالبلاد، لفشل سياستهم.
وقال عضو القطاع السياسي بالحزب الحاكم، عبد السخي عباس، إن بعض المعنيين بقضية الاقتصاد والموازنة يعتقدون أن الوضع يمكن أن يتحسن في المستقبل، ولكن لا تظهر أي مؤشرات بأن هناك تحسنا.
إلا أن البشير كان ينظر في جهة أخرى، معتبراً أن الأزمة مفتعلة، وأن الإصلاح يبدأ بتغيير في الأجهزة التنفيذية، لذا بدأ بجهاز الأمن والمخابرات، أقوى أجهزة حكمه، ثم عين مساعدا جديدا له، وهو نائبه في الحزب الحاكم أيضا.
فقد أدى فيصل حسن إبراهيم اليمين الدستوري، الخميس الماضي، مساعدا للرئيس السوداني.
دواعي قرار البشير، وفق خبراء، هو مواجهة ثلاث قضايا داخلية، هي: الأزمة الاقتصادية، حراك المعارضة، والغضبة الشعبية.
وللعبور من هذه القضايا بعقباتها المتفرعة، اتخذ البشير ثلاث خطوات، وهي: تعديل في قيادة الأمن، وتغيير على مستوى الرئاسة، وإجراءات اقتصادية مصحوبة بتوعد االمهربين والسماسرة.
قضايا متشعبة
خلال الفترة الماضية شغلت الحكومة السودانية قضية التدهور الاقتصادي المستمر، لاسيما بعد أن رفعت الحكومة سعر الدولار الجمركي من 6.9 إلى 18 جنيها.
وتلك كانت بداية انخفاض قيمة العملة السودانية مقابل العملات الأخرى إلى أرقام غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 40 جنيها، للمرة الأولى، مطلع شباط/ فبراير الجاري.
اقرأ أيضا: إجراءات تقشفية جديدة في السودان تشمل وقف التعيينات بالحكومة
ويعاني السودان من شح في النقد الأجنبي، منذ انفصال جنوب السودان، عام 2011، حيث فقد ثلاثة أرباع موارده النفطية، بما يقدر بـ 80% من موارد النقد الأجنبي.
ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية، دفع البشير إلى تشكيل لجنة برئاسته، لوقف التدهور.
وصاحب ذلك تهديد من رأس الدولة وأعضاء حكومته "بالضرب بيد من حديد" على المتلاعبين بقوت الشعب والمتاجرين في السوق الموازية، على حد قولهم.
وكذلك التلويح باستخدام عقوبات أشد صرامة في مواجهة المتهمين بالتعامل في السوق السوداء، وذلك بتهم الإرهاب وغسيل الأموال، وتصل عقوباتها إلى الإعدام.
أزمات خانقة
المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، آدم محمد أحمد، رأى أن البشير وحكومته يواجهون أزمة اقتصادية مستفحلة، بسبب الفساد الكبير. واعتبر أن الحديث عن إجراءات اقتصادية أو تغييرات في الأشخاص (المسؤولين) لن يحل المشكلة ولا علاقة له بالاقتصاد.
وتابع: "كل ما تم من إعفاء وتعيينات هو لقضايا أخرى تخص الرئيس البشير وترشحه للرئاسة في 2020، ولا علاقة له بالأزمة الاقتصادية، التي ربما تؤدي إلى ثورة جياع ضد الحكم".
ولا يحق للبشير، الذي تولى السلطة عام 1989، الترشح لفترة رئاسية جديدة في انتخابات 2020، إذ يتطلب الأمر تعديل الدستور.
أما الكاتب والصحفي، إسماعيل حسابو، فقال إن العقبة التي تواجه البشير هي الأزمة الاقتصادية، ولا يوجد شيء خلاف ذلك. مشدداً على أن التعديلات التي انتهجها البشير تعود إلى محاصرة هذه الأزمة فقط، وليس غيرها.
حراك المعارضة
حراك المعارضة في الشارع أزعج الحكومة، فتصاعدت اتهاماتها، ومنها أن مخابرات دول تسعى إلى إثارة الفتن في البلاد، وأن المعارضة تريد استغلال الغلاء لإسقاط النظام.
وقال البشير، في 8 شباط/ فبراير الجاري، إن الحكومة عازمة على قطع الطريق أمام المتربصين والمتاجرين ومروجي الأزمات بين الشعب السوداني.
بدوره، قال أمين التعبئة السياسية بالحزب الحاكم، عمار باشري: "هناك تهويل للأمر لإحداث ربكة، وكثير جدًا من أصابع مخابرات الدول تزيد من ناره لخلق حالة من الخوف والهلع وسط المواطنين، بما يحقق أهدافهم بالخروج عن النظام".
ورددت الحكومة، في تصريحات متكررة لمسؤوليها، أن التظاهر السلمي حق، وأنها ترفض التخريب.
وتدفع المعارضة بأنها قادرة على قيادة الشارع إلى مزيد من الاحتجاجات، رغم حديثها الدائم عن التضييق الحكومي على نشاطها عبر استخدام القوات الأمنية.
بينما لا ترى الحكومة في المعارضة قدرة على تحريك الشارع ضدها، وتصفها بالعاجزة حتى عن وحدتها مع بعضها.
وتردد الحكومة أن محدودية التظاهر تدل على أن المعارضة بعيدة عن الشارع أكثر منها، مستدلة بالاستقرار الأمني والسياسي الذي تشهده البلاد في السنوات الماضية.
ورأى حسابو أن المعارضة ضعيفة من وجهة المسؤولين الحكوميين، والبشير وهو يقود الحكم يعلم أنها لا تشكل تهديداً لحكمه، لذلك توجه صوب إجراء التعديلات بالدفع بقيادة تنفيذية منضبطة أكتر في التعيينات الأخيرة.
لكن الأكاديمي آدم محمد أحمد اعتبر أن المعارضة ليست ضعيفة، بقدر ما هي مستضعفة بسبب القبضة الأمنية والتضييق الذي تم عليها طوال سنوات حكم الإنقاذ التي امتدت من عام 1989 وحتى عام 2017.
حلول البشير
عمد الرئيس السوداني إلى إجراء إصلاحات لمجابهة ما تواجهها الحكومة من عقبات، حيث أجرى تغييرات في القيادات الأمنية، وهو ما بدا غريبا للكثيرين.
إلا أن التركيز على جهاز الأمن والمخابرات باعتباره قادرا على محاصرة أسباب الأزمة الاقتصادية من تهريب السلع ومضاربة في أسعار العملات، وجدا حظا من التأييد من الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الحكم.
ويتوسع دور الأمن حتى في متابعة أداء أي جهة تخرق النظام، وتتجاوز التعامل في العملات الأجنبية، وضوابط البنك المركزي السوداني، وذلك بهدف إيجاد اقتصاد مستقر بعيداً عن المضاربة.
وبعد توليه منصب مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، توعد صلاح عبد الله، بملاحقة المضاربين في الأسواق ومهربي السلع المدعومة إلى الخارج.
وتابع أن البعض يعبث بمقدرات البلاد ومقوماتها ونظامها الإداري ويشوهون دولاب العمل المدني، ويسعون أيضاً إلى إضعاف العملة الوطنية والنيل من سمعة الجهاز المصرفي.
دوافع البشير تبدو منطقية لدى بعض المراقبين، باعتبار أن القضية الاقتصادية تحتاج إلى أدوار متكاملة أمنية وسياسية واقتصادية.
ولهذا جاءت التعديلات على مستوى القيادة الأمنية، وأيضا على مستوى الرئاسة بتعين فيصل حسن إبراهيم، مساعداً للرئيس السوداني، بديلا لإبراهيم محمود.
بينما يرفض آخرون هذا النهج باعتبار أنه سيؤدي إلى مزيد من الفشل، لأنه حتى الآن لا يزال ارتفاع الأسعار مستمرا.
في هذه الأجواء يزداد الترقب لتعديل وزاري على حكومة الوفاق الوطني، التي تشكلت، في أيار/ مايو الماضي، من 31 وزيرا و42 وزير دولة، و4 مساعدين للرئيس.
فقد نقلت صحف محلية عن مساعد البشير، فيصل حسن إبراهيم، أن هناك تغييرا وزاريا خلال الأيام القادمة.
إقالة رئيس الأركان السوداني تثير أسئلة حول علاقته بالسعودية
هل سيقدم السيسي حلايب وشلاتين للسودان مقابل الإخوان؟
مهندسون أمريكيون وراء إنشاء أنفاق حزب العمال الكردستاني